ركبنا البحر ونحن لا نعلم على التحقيق أين نلقي صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود، لأن برنامج الرحلة لا يشير إلى المكان.
فمن الجائز أن يكون في جدة، لأنها الميناء الذي ينتقل منه جلالته إلى يخت المحروسة، ولجلالته قصر منيف في أراضها هو القصر المعروف بقصر خزام.
ومن الجائز أن يكون في مكة المكرمة، لأن اليخت يصل إلى جدة قبل سفر جلالته بيومين.
فإذا كان استقبال البعثة الملكية في جدة فلا عمرة ولا إحرام، وإذا كان الاستقبال في مكة المكرمة، فقد وجبت العمرة ووجب الإحرام.
ولكن كيف السبيل إلى الإحرام؟ وكيف السبيل إلى خلع المخيط في الشتاء، وإن كان الجو في مكة أدفأ من جو القاهرة بدرجات؟
إنني ألبس الصوف شتاء وصيفاً منذ خمس وعشرين سنة، وإذا صح أن (الصوفي) منسوب إلى الصوف، فليس على ظهر الأرض رجل أحق مني بهذه الصفة، فكيف سبيل إلى التحلل من هذه الصفة التي لصقت بالموصوف، فلا فكاك منها ولا فرار؟
جاءنا النبأ في عرض البحر بأن صاحب الجلالة عاهل الجزيرة العربية يستقبلنا في قصره العامر بمكة المكرمة، فنوينا الفدية، ونوى أصحابنا الإحرام، ولم يبق معي بملابسه غير الأستاذ عوض البحراوي بك وزير مصر المفوض في المملكة السعودية، لأن الإحرام لا يلزمه، وإنما يلزمه أن يطوف بالكعبة عند مغادرة مكة طواف الوداع
وقد خصصت الحكومة السعودية قصر (الكندرة) بجدة لتبديل الملابس قبل المسير إلى الحرم الشريف. وتولى الإشراف على راحة البعثة ومن معها صاحب المعالي الشيخ يوسف ياسين وزير الدولة، وصاحب العزة الأستاذ فؤاد شاكر مدير المطبوعات. فلما تهيأ أصحابنا للسفر تحرك الركب بالسيارات، فكان من نصيبي الركوب في سيارة الوزير المفوض عوض البحراوي بك، وهو رجل فاضل عرف أهل البلاد كما عرفه أهلها، فانعقدت بينه وبينهم صلات المودة والزمالة، وارتفعت بينهم الكلفة كل الارتفاع فيما عدا المراسم التي تقضي بها المعاملات الدولية، وقد عبر الطريق مرات فعلمت منه كل ما احتجت إلى علمه