(ما الموات إلا تمام حد الإنسان لأنه حي ناطق ميت، فالموت
تمامه وكماله، وبه يصير إلى أفقه الأعلى)
(عن الفيلسوف مسكويه)
كثيراً ما ادعى المتعصبون إلى للفكر اليوناني أن الشرقيين لم يحذقوا التدليل النظري المحكم كما حذقه اليونان وأن الفلسفة الإسلامية لا تكاد تخرج في مجموعها عن آراء أفلاطون وأرسطو بحيث أن كل ما هناك من فرق بينهما لا يستطيع أن يشهد للإسلاميين بالخلق المجيد والإبداع الطريف! ومهما تكن أسباب هذا الادعاء من جهل وتعصب، فأظن أنه ليس أنجح في دحضه من نشر آيات الفلسفة الإسلامية والتعليق على ما فيها من أوجه الطرافة والإبداع.
لذلك أقدم للقراء اليوم باقة من باقات الفيلسوف (مسكويه) الذي حدثتهم عنه في العام الماضي. وأزعم أن هذه الباقة من أقوى وأجمل وأدق آيات الفلسفة الإسلامية تدليلاً وإبداعاً؛ وأنها لا تقل في موضوعها عن كتابات الفلاسفة اليونانيين شمولاً واتساقاً وجمالاً وتحليلاً!
وموضوع هذه الباقة هو:(دفع الغم من الموت!) أو لماذا يجب ألا نخشى الموت. وأحسب أنك تقدر تماماً خطورة هذا الموضوع! بل أحسب أنك لا تدري في الحياة ما هو جدير حقاً بالخوف منه، والرعب غير الموت: ذلك البلاء الداهم الذي يلبسنا ثوب الحداد ويمزق منا الصدور ويقطع نياط القلوب! ذلك الذي يصبغ الكثير من أيامنا بالسواد ويطلق أصوات الأمهات والزوجات والأطفال بالصياح والعويل والشكوى المريرة والأنين المبحوح! أجل أحسب أنك تقدر ذلك كله! وتعرف أن اطمئنان القلب للعقائد الدينية يحتاج في الكثير من