وترامي زارا يوماً بخياله إلى ما وراء الإنسانية، فتراءى هذا العالم لديه كما يراه جميع المأخوذين بالعالم الثاني خليقة رب متألم مضطرب، فقال:
رأيت الدنيا كأنها أحلام نائم أبدعت أبخرة حوالة متلونة ترتد عنها ألوهية النفس على غير رضى. وقد لاح لي الخير والشر والأفراح والأحزان وذاتي وذات الآخرين كما تلوح الأبخرة الملونة لعين المبدع، ولعل المبدع أراد أن يتحول ببصيرته عن ذاته فأوجد العالم.
لا ينتشي المتألم بمسرة أشد من مسرته حينما يعرض عن آلامه وينسى نفسه. هكذا تكشف لي العالم يوماً فرأيت مسرته ثملاً ونسياناً وهو يتقلب أبداً في نقائصه معكساً للتناقض الأبدي
نظرت إلى العالم يوماً فلاح لي مسرةً مسكرة يتمتع بها مبدع غير كامل خلقته أنا، فجاء ككل أعمال البشر جنةً بشرية.
ما كان هذا الإله إلا إنساناً، بل جزءاً من شخصية إنسان، لأنه نشأ من ترابي ومن لهبي. إنه لشبح من هذا العالم لا من وراء هذا العالم.
شهدت ذلك، أيها الأخوة، فتفوقت على ذاتي بآلامي، وحملت ترابي إلى الجبل حيث أوقدت ناراً تشع نوراً فإذا بالشبح يتوارى مبتعداً عني.
فإذا ما آمنت الآن بمثل هذا الشبح، فلا يكون إيماني إلا توجعاً وصغاراً، ذلك ما أقوله للمأخوذين بالعالم الثاني.
ما أوجدت العوالم الأخرى في هذا العالم سوى الآلام والشعور بالعجز، ذلك ما أوجدته تلك العوالم فأوجدت معه هذا الجنون السريع الزوال بسعادةٍ ما ذاقا من الناس إلا أشدهم آلاماً
إن المتعب الذي يطمح إلى اجتياز أبعد مدى بطفرة واحدة بطفرة قاتلة، وقد بلغت به مسكنته وجهالته حداً لا يستطيع عنده أن يريد، إنما هو نفسه مبدع جميع الآلهة وجميع