[إلى أبناء الجنوب. . .]
للأستاذ محي الدين صابر
مشى على القيد أباء وأبناء ... في السجن ينفضهم برد وظلماء
والجوع يأكلهم والعرى يلبسهم ... يضج في روحهم جهد وإعياء
والذل يدفن في جبهاتهم أمماً ... راحوا إلى المجد غلابين أو جاءوا
ترتد أنفاسهم في القيد ضارعة ... تكاد تنكر أن القوم أحياء
مهدَّمون مساكين الخطى مِزَق ... كأنهم في يد الجلاد أشلاء!
خمسون عاماً مشت فينا دقائقها ... كالجيل فيه مصيبات وأرزاء!
تغلي الدماء على أحقادهن بها ... وتستجيش من الثارات أحشاء
فاليوم حين يهد السجن مقتتل ... ويحطم القيد ثوار. . . أشداء
واليوم حين يفيض الفجر من دمنا ... وحين تمتد أفاق وأجواء
وحين نحشد في التاريخ مقدرة ... لها إلى الخلد إسراء وإفضاء
وحين ينتقم الوادي لوحدته ... وحين يثأر في الساحات فداء
من يخطب المجد لا يبخل بتضحية ... وإن تكن دمه فالمجد حسناء!
يا نيل شعبك، أبطال وآلهة ... لهم على الدهر شارات وسيماء
كم راية لك مثل الشمس ظافرة ... سعى بها ظافر، للنار مشاء.!
وكم هياكل مثل الليل خاشعة ... أطال فيهن سجَّاد ودعَّاء!
حبا عليك الزمان الطفل تنشئة ... حتى نمت منه أحيان وإناء!
أما الحياة فكانت فكرة ومنىَّ ... وأنت سجد وأحداث وأنباء!
أسميتها! فجرت الشوق في دمها ... وقمت تحنو عليها وهي عذراء
يا نيل! يا ساحر الوادي وسامره ... كأنما أنت في الشطآن صهباء
على النخيل ابتهالات وأخيلة ... وفي الخمائل أنغام وأصداء!
وأنت حلم على الضفات مبتهج ... وخاطر ملهم الإبداع. . . . وشاء
وشيتهن: فحقل مترف خضل ... وجنة طلة الأفناء. . . لقاء
استبق ماءك تهتز الظلال به ... فاليوم ساعة لا ظل ولا ماء!