(روى لي هذه القصة شيخ جليل زار الشرق الأقصى للتبشير)(الكاتب)
تشرف على المحيط الباسفيكي مدينة جميلة تسمى (أوزاكا) تمتد في جنوبها سهول فسيحة مترامية الأطراف، مبتدئة من ذلك الكوخ المتواضع، تحيط به أشجار باسقة عارية من الأوراق، أو مكتسية بها.
في أمسية من أمسيات الخريف الكئيبة لعام ١٩٠٤ واليابان قد أعلنت النفير العام، إذ تأزم الخطر عليها، وأحدق بها أعداؤها الروس من الشمال الغربي؛ راح الشبان يتقاطرون زرافات ووحداناً على مكاتب التسجيل ما بين نداء الوطن. في هذه الأمسية الكئيبة، وفي هذا الكوخ البعيد عن البلدة؛ جلست الأم (شيحار) مساهمة مشردة الخواطر، موزعة الأفكار، تحيك بيديها جورباً من الغزل، على عادتها، من يوم أن توفى زوجها وترك لها ولداً في التاسعة من عمره. لقد مضى على الأم عشرة أعوام، وهي ما تزال تجد في حياكة الجوارب طوال النهار وطرفاً من الليل، لتوفر لولدها شئون الحياة وأسباب العيش، وهي تتعهده بالرعاية والعناية، ساكبة عليه كل ما في الأمومة من حنان. وكان الموقد أمامها، والنار تئز فيه أزيزاً أشبه بالوسوسة، فتبعث لها بالدفء والإيناس؛ إنها لتنتظر خبر ولدها (فوزاكي) ذلك الشاب الذي ذهب لتسجيل اسمه في عداد المجندين؛ وإنها لتتخيله، وهو الشاب الفارع القامة، المفتول العضد، القوي البأس، بالبزة العسكرية متقلداً سلاحه، وهو يشق خطوط الأعداء ويقارع كوارث الحرب، متفوقاً في فنون النزال والضرب، تزين ساعده الأشرطة العسكرية، وتملأ صدوره الأوسمة والأنواط البراقة. . .
ويقطع عليها هذا الحلم اللذيذ دخول ابنها (فوزاكي) والوجوم يغشى سحنته، والحزن يسيطر عليه، فتهب إليه الأم لتتلقاه متلهفة، تريد أن تضع في تقبيله كل حنانها لخبره السار في أن يكون من عداد المجندين، ولكنها ترتاع لمرآه الواجم وهو يأخذ يدها بين يديه، كأنه ينشد منها المعونة والعزاء، ومتجهاً بها إلى الموقد:
- أماه! ما أمر خيبتي عند ما علمت لجنة التسجيل أني وحيدك، وأن ليس من يقوم على