للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الدراسات الأدبية]

ابن الخلفة

للأستاذ عبد اللطيف الشهابي

من وراء زوايا التاريخ المهملة، ومن خلال صفحات المخطوطات القديمة، ومن خلف خزانات صدور شيوخ الأدب: تلوح أنوار مشرقة، وتطل صور زاهية، وتتراءى بدوات مشرقة، فتومض وميض الذكريات في خاطر الزمن؛ حاملة نفحات شذية، فاحت في الربع الأخير من القرن الثالث عشر للهجرة.

كانت مدينة (الحلة) حينذاك كعبة الرواد ومنهل الوراد من عشاق العلم والأدب والعرفان، وكانت الينبوع الرائق السلسبيل الذي يتهافت عليه الظامئون - كل حدب وصوب - لنهل تلك الرشفات الريا، التي كانت تفيض من عقول أدبائها الفطاحل بغزارة متناهية فيها كل طرفة ومتعة.

أما اليوم وا أسفاه؛ فإن أدباءها كادوا أن يتناسوا أن لهم من تاريخهم الفكري ما يضمن لهم نهضة أدبية رائعة في حاضرهم هذا الذي عصفت به الأهواء وطوحت به النزعات؛ وقد غرب عن بالهم أن لهم سجلا حافلا بأنواع الجهاد الفكري والعلمي في تاريخ مدينتهم هذه، ذلك السجل الذي يزخر بتراث أدبي لا يستهان به: ينتظر الجلاء والحك، ينتظر أن تمتد إليه يد العناية والاعتزاز، لتسجل جميع مظاهر حياته الفكرية، لئلا يشذ وينبو عن طابعه المتوارث، وحاضر محيطه المكتسب!!

فلو تصفحنا تاريخ الأمم الغريبة، لوجدناه يعتمد كل الاعتماد على ما جاء بتراثه الشعبي القديم؛ ويضعه موضع التقدير والإجلال. فهذه إنجلترا تقدس أغنيها الشعبية القديمة لما فيها من أمانة في التعبير، وصدق في الإيحاء، وجمال في التصوير فهي المرجع الأول عند دراسة نهضتها الأدبية الحديثة؛ بل هي الأساس المتين الذي بنى عليه أدباء إنجلترا صروح مجدهم الأدبي.

فالشعر الشعبي له طابعه الخاص، وله مميزاته وأساليبه وفنونه، وهو مرآة صادقة لحياة الجيل بكامله، بل إنه الصورة الحقيقية التي نعتمد عليها في دراسة ذلك العصر، بما فيه من ألوان وأشتات، فضلا عن أن للغته العامية (ديناميك) مجرى يستقر في النفس وفي الأعماق

<<  <  ج:
ص:  >  >>