للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفتوة عند الصوفيين]

للأستاذ عبد الموجود عبد الحافظ

[(بقية ما نشر في العدد الماضي)]

أما المنزلة الثالثة فهي تختص بما يكون من الفتى نحو خالقه، وهذه المنزلة تشتمل على أمور ثلاثة:

أما الأمر الأول: فهو أن الفتى يجب ألا يتعلق في السير للوصول إلى الحضرة الربانية بدليل، فالسائر في طريق الوصول إلى هذا المقصد بسير على قدم اليقين ويستدل في طريقه بالبصيرة والمشاهدة، ويسترشد بما تقععليه من آيات باهرة تدل على قدرة ألله وكمال ذاته، فاسترشاده بغيره هذا وسيره مع الدليل آية على عدم نفاذ بصيرته وسلامتها، ودليل على أنه لم يخلص في طلبه ولم يشتم رائحة اليقين؛ وفي هذا قال بعضهم (من طلب نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم تحل له الفتوة أبدا). والمعرفة عندهم ضرورية لا استدلالية، لأن الرسل عليهم السلام لما أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى عباده دعوهم إلى عبادته وتوحيد ذاته ولم يدعوهم إلى الإقرار بالله سبحانه، بل دعواهم دعوة من لا يشك في وجود القدرة الإلهية، وأن الله هو الصانع الحكيم، وخاطبوهم خطاب من ليس عنده أدنى شبهة في الإقرار به، وأن وجوده ليس في حاجة إلى الاستدلال عليه، ولا مرشد للسير في طريق الوصول إليه، فخاطبوهم قائلين: (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض؟)

وكيف يدعى الفتوة من يطلب الاستدلال على من هو أظهر من دليله بل هو الدليل والمدلول؛ فالقاصد له من نوره ودلائل قدرته وآثار حكمته أكبر دليل، ومن خلص قلبه وكمل إيمانه وتفتحت بصيرته وضح أمامه الطريق وظهرت له معالم الشهود فيرى المشهود بغير دليل، ولا ينال هذه المرتبة إلا من أفنى نفسه في ذات مشهوده وترك ما سواه؛ وهذا هو معنى الأثر الإلهي (إذا أحببت عبدي كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، فبي يسمع وبي يبصر).

أما توقف طالب الوصول وتقيده بالدليل الذي يهديه الطريق، دليل على الشك في إخلاصه. ومن يطلب الاستدلال على الوحدانية ومشيئته وقدرته - فليس له أدنى درجة من الفتوة بل يكون مخالفاااا لها من كل أوجهها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>