يعجب كثير من الناس كيف استطاع محمد صلى الله عليه وسلم أن يفتح بفئة قليلة من المهاجرين والأنصار الحصون التي كانت حول المدينة ومكة؛ وأن يظهر بهم على إقبال الجزيرة العربية ورجالاتها، وعلى عقائدها وعاداتها؛ وأن يرفع بهم في غيابة الجهل، وضلال العقل وحيرة الإنسانية، لواء الحق والفضيلة، والخير والرشاد، فينشر في أرجاء الجزيرة، بهذه الفئة الصغيرة، هدى السماء، وشريعة التوحيد، ويأتيه أهلها طائعين، يدخلون في دين الله أفواجا؛ ثم كيف استطاع أصحابه بعد أن فتحوا بهؤلاء دول العالم القديم: فارس والروم وبلاد السند ومصر وأفريقية والأندلس. . . وقد كانوا أقل عدة، وأضعف جندا، وأقل دراية بفنون الحرب، ودربه على أساليب القتال - من أمة كفارس والروم.
يعجبون من شأن هؤلاء المسلمين الأولين، لقد كانوا بين تلك الدول والشعوب، وهذه الحضارات والمدنيات، كالشعرة البيضاء في فرس بهيم، وكالطفل الصغير يصارع شجاعاً جباراً.
ولكني لا أعجب عجبهم؛ بل أعجب كيف لم يفتحوا الأرض جمعاء، ثم يحاولوا بعد ذلك فتح السماء؟
كيف أعجب من ذلك؟
لعلي أغفل قانون الكثرة، والقوة المادية، والفنون الحربية
لا، لست أغفل شيئا من هذا كله، فقد جعلت لكل أمر قدراً؛ بيد أني لم أغفل القوة المعنوية، فقدرتها حق قدرها، ووازنت بينها وبين كل ذلك؛ فرأيتها ترجح بها كافة.