هؤلاء الفلاسفة الذين طالما عنينا أنفسنا بدراسة آثارهم وتتبع أفكارهم، ما بالهم قد حدثونا عن كل شئ إلا الحياة؟ لقد ملأوا أسماعنا بأحاديثهم عن الفكر والوجود والعلة والقوة واللذة والغريزة ولكن أحداً منهم لم يحدثنا عن الحياة حديثاً شاملا مفصلا. أتراهم قد توهموا أن الحياة ليست شيئاً أكثر من الغريزة أو من حساب اللذات (على طريقة بنتام)، أو من الأنانية وتقديس الذات (على طريقة نيتشه)؟. . . ولكن، لا؛ إن الحياة شئ أكثر من هذا كله، لأنها في جوهرها فيض وتوسع وامتداد. فإذا كان أبيقور يقول:(إن الكائن يمضي حيث تدعوه لذته) فإن في استطاعتنا أن نرد عليه بأن نقول: (كلا، بل أن الكائن ليمضي مدفوعا من تلقاء نفسه، ثم يجد اللذة في الطريق. فاللذة ليست هي الشيء الأول، وإنما الشيء الأول والأخير هو الحياة). والحياة تسير دون حاجة إلى قوة أعلى منها، لأنها بذاتها حركة وقوة واندفاع. فليست الحياة حساباً للذات، كما زعم بتنام، بل هي فعل ونشاط وفيض مستمر.
أجل، إن الحياة لتنطوي في صميمها على مبدأ الامتداد والتوسع والخصب والانتشار. فالوجود الحقيقي إنما هو ذلك الذي يتمثل في تلك الحياة الخصبة الممتلئة، التي لا تألو جهداً في أن تفيض على الآخرين، وتبذل من نفسها للآخرين، وتشرك نفسها مع الآخرين. والكائن الحي، إذا بلغ درجة كبيرة من الرقي، فانه يكون أشد نزوعا إلى حياة الجماعة، لأن في هذه الحياة فيضاً وتوسعاً وامتداداً
والحياة لا يمكن أن تكون أنانية خالصة، حتى إذا أراد المرء ذلك؛ فإن ثمة ضرباً من السخاء يلازم الوجود دائماً، وبدونه يموت الكائن الحي أو تذبل نفسه. فإذا أردنا أن نستبقي حياتنا كان علينا دائماً أن نزهر؛ وما زهرة الحياة الإنسانية إلا الإيثار والتضحية وبذل الذات
إن الذات التي يزعمون أنها مغلقة، هي في الحقيقة مفتوحة، وهي على اتفاق بالفطرة مع الذوات الأخرى؛ بل أنها لتنفتح شيئاً فشيئاً، وأكثر فأكثر. وإذن فالامتداد نحو الآخرين ليس