تحتفل روسيا السوفيتية خلال شهر ديسمبر بإحياء ذكرى كاتب روسيا وفيلسوفها الكبير ليون تولستوي، وذلك لمناسبة مرور خمس وعشرين سنة على وفاته. ولقد محت الثورة البلشفية كثيرا من معالم روسيا وذكرياتها وتقاليدها القديمة، ولكن روسيا السوفيتية ما زالت تحرص على رعاية الآداب والعلوم والفنون، وما زال هذا الحرص يتجلى في كل موقف ومناسبة، وذكرى تولستوي تتبوأ في الأدب الروسي بل وفي الأدب العالمي أسمى مكانة، وما زالت الثورة البلشفية تنحني إجلالا لذكرى هذا الذي رفع الأدب الروسي إلى السماكين، واتشح بنوع من القدسية تجعل ذكراه وتراثه فوق كل ثورة وانقلاب
توفي تولستوي منذ خمسة وعشرين عاما، وفي ٢٠ نوفمبر سنة ١٩١٠؛ وكان مولده سنة ١٨٢٨ في قرية باسينا بوليانا من أعمال مقاطعة تولا في أسرة قديمة عريقة في النبل؛ وتوفيت والدته وهو في الثانية من عمره، ثم توفي أبوه في التاسعة من عمره؛ فكفلته وأخوته إحدى عماته، وتلقى معهم تربية خاصة على يد معلم فرنسي؛ وفي سنة ١٨٤٣ أرسل إلى جامعة فازان ليدرس فيها؛ ولكنه لم يبد براعة خاصة في الدرس، فقضى بها حينا، وغادرها ملولا، وانكب على اللهو بضعة أعوام؛ ولما بلغ الثالثة والعشرين من عمره انتظم في سلك الجيش في قسم المدفعية وأرسل إلى القوقاز، واشترك في حرب القرم تحت إمرة البرنس جور نشاكوف، وقاتل في موقعة سلستريا سنة ١٨٥٤، وفي موقعة سباستبول سنة ١٨٥٥. وكان تولستوي قد ظهر في عالم الأدب قبل ذلك ببضعة أعوام، فكتب في بعض المجلات الكبرى، وكتب كتبه الثلاث الأولى وهي (الطفولة)(سنة ١٨٥٢) ثم (الحداثة)(سنة ١٨٥٣) ثم (الشباب). كتبها في القوقاز قبل أن ينزح إلى ميدان الحرب، ووصف فيها طفولته وحداثته وشبابه في صورة مؤثرة. وفي أثناء الحرب، وتحت قصف المدافع كتب تولستوي عدة صور وقطع حربية قوية أسماها (قصص سباستبول) وفيها ظهرت روعة مواهبه الأدبية، فطارت شهرته وكان بدء مجده الخالد. وفي (قصص سباستبول) تبدو شخصية تولستوي قوية، ويبدو إجلاله للحقيقة والشمائل الإنسانية والحب الأخوي؛ ويبدو مقته لكل مظاهر الطغيان والعنف. ولما انتهت الحرب عاد إلى بطرسبرج