يعمل ساسة العرب على طريقتهم في توطيد أسس الجامعة العربية. والسياسة ليست دائماً إيمان. . . ونحن أفراد الشعوب العربية ينبغي أن يكون اندفاعنا إلى هذه الجامعة حركة ذاتية فردية مؤمنة تعمل دائبة سواء أكانت السياسة تريد ذلك أم لا تريده، وسواء أكان السياسيون متحمسين أم فاترين. فالسياسيون كثيراً ما ينقلبون ويغشون ويدمرون ما اشتركوا في بنائه حينما يهزمون في المجال الشخصي الضيق، وتتصادم المصالح الصغيرة ويزول العمل للمصلحة الكبيرة. فيجب دفعهم بأيدي الجماهير المستنيرة حتى يكونوا دائماً شاعرين بحرارة إيمانها وقوة دفعها لهم.
وفي بعض الأحيان يجتمع السياسي ورجل الدعوة والإيمان في شخصية فتسير الأمور عندئذ في أمان وتقدم، ولا يخشى عليها من النكوص والتقلب والضعف؛ لأن عناصر الإيمان والإلهام المتجدد وشبح النجاح المأمول في تلك الشخصية من شأنها أن تحول بين الحركة وبين الارتداد والضعف مهما كان من عقبات ومغريات وعوامل تثبيط.
غير أن هذا النوع القيم من السياسيين لا يوجد كل حين. فيجب العناية والاهتمام والاحتراس من العناصر السياسية المحترفة التي تصطنع السياسة للحكم وشهوة الغلبة أو السيطرة أو الخيلاء ولا تعلم من أهداف السياسة إلا ما يحقق لها ذلك. ولا يكون ذلك الاحتراس إلا في إعلان إرادة الرأي العام وإظهار أعماق شعوره وجلو أهداف إيمانه وتجديدها دائماً أمام عيونه، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الوسائل الثقافية والوجدانية التي في أيدي الكتاب والأدباء المفكرين الذين يتعمقون الأشياء ويجلون دفائنها على أعين الجماهير جلواً يستهوي ويثير.
ومن الفطنة أن نعلم أن قيام الجامعة العربية على أسس فكرية ووجدانية يجب يسبق أن قيامها على الأسس السياسية، لأن قيامها على الأسس الأولى هو من طبيعة الأشياء إذا أردنا أن نسير على قوانين النمو والتقدم والارتقاء مسترشدين الله في إنضاج الثمار.
فالقلب هو أول ما يتكون في الجنين ومنه تمتد الشرايين لتغذية الجسم الصغير الذي يتخلق منه الكائن الإنساني أو الحيواني. وكذلك عقدة البرعم التي فيها سر الشجرة ونوعها هي