للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ملق القادة]

للأستاذ أحمد أمين

لست أعني بهذا العنوان أن يتملق الجمهور لقادتهم فيظهرون لهم الود

والعظام بحق وغير حق، فذلك شيء قليل الخطر، فاتر الأثر، وإنما

اعني أن يتملق القادة للرأي العام فيسيرون على هواه ويجرون مجراه،

ويأتون ما يحب، ويذرون ما يكره، فهذا هو الداء الدَّوىّ والعلة الفادحة

ومن أسوأ ما أرى في الشرق في هذه الأيام هذه الظاهرة: ظاهرة أن يحسب القادة حساب الرأي العام أكثر مما يحسب الرأي العام حساب القادة هذه الظاهرة جلية واضحة في قادة العلم، فهناك أوساط تقدس العرب كل التقديس، وتعتقد أنهم في حكمهم عدلوا كل العدل، ولم يظلموا أي ظلم، فقادتهم يتملقونهم ويستخدمون معارفهم للوصول إلى هذه النتائج التي ترضيهم، سواء رضى العلم أم لم يرض، وسواء أوْصَل البحث إلى هذه النتائج أو إلى عكسها، وهناك أوساط تعبد كل غربي من عادات وتقاليد وآداب، فقادتهم يختارون اللفظ الرشيق، والأسلوب الأنيق لتأييد هذه الآراء، ولا عليهم في ذلك أن كانوا يحقون الحق أم يؤيدون الباطل

وهي ظاهرة في قادة الأدب، فأن أحب الجمهور روايات الحب والغرام ألفّوا فيها أكثر منها، وأن أدركوا أن تصفيق الجمهور يكون أشد، كلما كان الحب احد، تسابق الأدباء إلى أقصى ما يستطيعون من حدة وعنف، ومهروا في أن يستنزفوا دموع المحبين، ويهيجوا عواطفهم، ويصلوا إلى أعماق قلوبهم، وأن كره الناس أدب القوة من الأدباء، هو سمج، وهو جاف، وهو لا قلب له، وأن كان الجمهور لا يقبل إلا على الأدبالرخيص فكل المجلات أدب رخيص، لانه كلما أسرف في الرخص غلا في الثمن، وأن بدأ الجمهور يتذوق الجد تحولوا إلى الجد وداروا معه حيث دار

وهي ظاهرة في دعاة الإصلاح، فهم يرون - مثلا - أن الشباب قوة فوق كل قوة، وهم عصب الأمة الكسير الحياة، وفي استطاعتهم أن يرفعوا من شاءوا إلى القمة ويسقطوا من شاءوا إلى الحضيض، فهم ينظمون لهم الدار في مديحهم وإعلاء شأنهم، وملئهم ثقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>