(يا أخي، أقول لك الحق وأمري إلى الله، أنا لا أعرف الحب، ولا أستطيع أن أحب، ولم يخلقني الله لأحب، فأنا على الأرجح مخلوق ممسوخ، أو هذه الخلائق هي المسيخة إذا صدق ما يزعمون عن الحب وما يعانون من تدليهه؟)
فهز صاحبي رأسه مفكراً وسألني:(وإبراهيم الكاتب؟)
فقلت:(إبراهيم الكاتب مخلوق لا حقيقة له. . . أنا الذي خلقته، فإذا كنت لم أحسن خلقه فاعذرني، فإنها أول تجربة لي في (الخلق). ومع ذلك أدر عينيك في الغادين علينا والغاديات والرائحين والرائحات، وتدبر نفوسهم إذا استطعت، واعذرني: وأحسبك تريد أن تزعم أني وصفت حب إبراهيم هذا، أو معاشقه، وأن هذا وصف خبير. ربما! الحقيقة أني نسيت حكاية إبراهيم هذا ولكني واثق أن عقله لم يطر من الحب، ولبه لم يزدهف، وأنه كان يعرف القيمة الحقيقية لكل واحدة ممن أحب، وكان يستطيع أن يكبح نفسه ويصرفها)
فكابر بالخلاف، فتركت له الصفقة، إيثاراً للراحة من عناء الجدل الذي لا طائل تحته، وأردت أن أستطرد عن هذا الموضوع إلى سواه، فأبى أن يدعني أهرب، فدار بي فعاد إلى الحب، فقلت له:(إني أراك جائعا) قال: (جائع؟ أبداً) قلت: (والله جائع، ومتضور أيضاً. . .) ووضعت إصبعي على قلبه: (هنا فراغ أسميه أنا جوعاً، فأنت لهذا فيما أرجح، تجد لذة في الكلام في الحب الذي حرمت ما تتوهمه نعمته. . . أعترف!)
قال بضحك:(ليتني أكون محباً محبوباً. . . الحقيقة إن حياتي صحراء جرداء)
قلت:(اشكر الله، وأسأله دوام هذه النعمة.)
قال:(يا شيخ، حرام عليك!)
قلت:(والله إني أريد لك الخير، أو اسمع، إذا كان لا بد من هذا، فأحبب أنت كما تشاء، فأن أمرك يبقى بيدك، ولكن إياك أن تكون محبوباً من امرأة، فأن هذا هو العذاب الغليظ)
فظنني أمزح، فقلت:(لا والله. وإني في هذا لأتكلم بلسان الخبير المسكين. هل تصدق أن امرأة في هذه الدنيا يبلغ من قلة عقلها أن تترك الناس جميعاً وتحبني أنا؟)