كانت الشعوب القديمة تشكو من القحط والجماعات. قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة يوسف:(وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي أن كنتم للرؤيا تعبرون). هذا ما رآه ملك مصر في منامه، فلم يعرف أحد تأويل رؤياه، وكان يوسف حينئذ في السجن، فاستدعاه الملك واستفتاه في أمر الرؤيا، ففسر يوسف المنام قائلاً له: إنه سيمر عليكم سبع سنين خصبة، فازرعوا فيها واخزنوا ما زرعتم وهو في سنابله إلا قليلاً مما تأكلون، ثم يعقبها سبع سنين مجدبة، تأكلون فيها مما ادخرتم.
وقد تطورت الآن وسائل المعيشة وأحوالها، وتبدلت طرق الكفاح في سبيل العيش، وارتقت الزراعة والصناعة والتجارة؛ فنشأت بازاء هذا التبدل مشاكل جديدة، وظهرت معضلات خطيرة. وأشد ما نعانيه الآن من النظام الاقتصادي الحالي هو الأزمة التي انتابت العالم بأسره؛ وقد خلقت للعالم مشاكل عديدة لا تنجل ولا تزول إلا بالسلاح.
الأزمة هي اضطراب فجائي في التوازن الاقتصادي؛ ولها أعراض وعلامات تشابه أعراض الأمراض التي تصيب الإنسان، فبعض الأزمات يقتصر على بلد واحد، وبعضها وبائي ينتقل في أنحاء العالم كمرض الكوليرا.
عرف الاقتصاديون بعد طول البحث أن ظواهر الأزمة وأعراضها هي في كل الأزمات تقريباً. وأول ما يشير إلى نشوء الأزمات تناوبها؛ فقد رؤى أنها تتبع بعضها بعضاً في القرن التاسع عشر بنظام منتظم عجيب، فبين كل أزمة وأخرى مدة تبلغ عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة، نصفها يمثل حالة صعود والنصف الآخر يمثل حالة هبوط، ويظهر ذلك في تقلبات الأسعار والأجور، وأسعار الفوائد.
ومن ظواهر الأزمة وبائيتها، ففي بادئ الأمر يزيد الإنتاج في إحدى الصناعات أو ينقص، ويتنقل هذا الاضطراب من صناعة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.
هناك ثلاث علامات خاصة تسبق الأزمة، وتعلن قرب حلولها:
(١) ارتفاع في الأسعار يدل على نشاط الاستهلاك، ووفرة الأموال المتداولة وسهولة