ذكرتني القصيدة التي نشرتها (الرسالة) تحت عنوان: (وحي فيضان سنة ١٩٤٦) في عددها ٦٩٣ بالفزع البالغ الذي أصاب البلاد جميعاً إبان اشتداد الفيضان في أغسطس الماضي، وغنى عن البيان أن النكبة كانت جسيمة وأن الخسارة الناجمة عنها كانت ولا تزال فادحة، ولكن هل كان ينبغي أن يصل الأمر إلى هذا الحد من التشاؤم الذي شاهدناه مرتسما وقتئذ على وجوه الناس والذي صورته كل الصحف بلا استثناء والذي أوحى إلى الشاعر أن يصف الفيضان (بالهول العظيم!!) ويصف مياه النيل بأنها (ترد البلاد كأنها أغوال!!)؟
صحيح أنه كان لشدة اهتمام الحكومة وقلقها ومظاهر الرعب التي بدت على تصريحاتها أثر محسوس في الإشعار بالخطورة، ولكن أليس المفروض من جهة أخرى أن التزاماتها ومسؤولياتها قد تسوغ لها (تقدير البلاء قبل نزوله) لتهيئ الشعب لاحتماله أو دفعه أو توقيه بالحيطة والحذر والعمل تهيئة جدية؟ ومع هذا فالإجراءات التي اتخذتها - وقصاراها اعتماد مبلغ ٢١٠ آلاف جنيه وتشغيل بعض الأيدي العاملة - كان ينبغي أن ترشدنا إلى أن الحالة كانت مطمئنة أو على الأقل غير مروعة إذا قورنت بالسوابق في الفيضانات التي انتابت البلاد الأخرى في القديم والحديث، بل إذا قورنت بالسوابق الغير بعيدة في فيضانات النيل ذاته (نسبياً): ذكر أبن تغرى بردى في (النجوم الزاهرة) أنه كان يُرصد لعمارة جسور النيل واتقاء فيضانه ثلث الخراج سنوياً، وحكي ابن لهيعة أن المرتبين للوقاية من الفيضان سنوياً مائة ألف وعشرون ألف رجل: سبعون ألفاً للصعيد، وخمسون ألفاً للوجه البحري. ورغم هذه الاحتياطات الشديدة فقد روى ابن زولاق أن أحمد بن الدبر لما ولى الخراج بمصر كشف أرضها فوجد غامرها أكثر من عامرها.
أي أن الحالة التي كانت استفحلت هذا العام تكن غريبة على الوادي، ولم تكن تستلزم ولا تحتم التشاؤم الأسود الذي قابلناها به، بل أني أزعم بكل شجاعة - بعد فوات الأوان! - أن التفاؤل المطلق كان أنسب لها وأحرى بنا!! لماذا؟ أبادر فأقول أن الحجة حاضرة ولكني