ذهبا يدلجان في هدأة الليل، ويضربان في ظلام الوادي، ويتحدث أحدهما إلى الآخر حديث الآلهة؛ وكلما نال منهما الجهد، جلسا يتسامران، أو ينصت الشيخ ذو اللحية البيضاء المرتعشة، إلى السحر الذي تنفثه قيثارة الفتى اليافع
- (حسبك يا بني، فلقد كادت موسيقاك تبطل عمل العاصفة)
- (وفيم تريد أن تستيقظ العاصفة يا أبتاه؟)
- (أريد أن تستيقظ العاصفة لأريك عجباً هذه الليلة من طباع الناس. أترى إلى هذه القرية! النائمة في أكناف الجبل؟)
وأشار الشيخ بيده فانبعثت منها شعاعة من نور شديد، كشفت القرية للفتى
- (آه. هذه هي. عمش خفيف أصابني الليلة يا أبتاه!)
وكان الفتى حلو الدعابة رقيق النكتة، ثرثاراً، فقال له الشيخ يحذره:
- (إذا كنا عند القرية فلا تبدأ حديثاً، ولا تخاطبني إلا أن أخاطبك؛ وإياك أن تأتي بإشارة تسقط هيبتنا في أعين القوم، فانهم لؤماء سفهاء، وقد تفسد علينا ثرثرتك ما جئنا من أجله الليلة إلى هذه القرية. . .)