بدأنا هذه القصة بلوفن هوك، بهذا الرجل الذي لا يعرف إلا الحقيقة الواقعة يتوجه إليها قدما دون مداورة أو محاورة، وبدأناها به لأنه منذ نحو من مائتين وخمسين عاماً نظر بعين من السحر، نظر بعدسه، فرأى المكروبات أول من رأى. نقول بعين من السحر، وهو لو سمعنا نصف مكرسكوبه بأنه من السحر لشخر ونخر كما قد يفعل اليوم بعض مواطنيه الهولانديين استهزاء بنا واحتقاراً لوصفنا
وهانحن أولاء نختتم هذه القصة ببول إرليش وهذه خاتمة مباركة سعيدة، والخواتيم المباركة السعيدة لابد منها لكل قصة جدية ذات بال. كان صاحبنا رجلاً مفراحاً، وكان يدخن في اليوم الواحد خمساً وعشرين لفيفة من لفائف التبغ الطويلة الثخينة وكان مشغوفاً بشرب كوب من البيرة على الملأ مع خادم معمله القديم، وأكواب كثيرة أخرى مع زملائه من ألمانيين وإنجليزيين وأمريكيين. ومع إنه جاء في العصر الأخير الحديث إلا إنه كان به شيء كبقية من العصور الوسطى، فقد كان يقول:(يجب أن نتعلم صيد المكروب برصاص من عبقر) فضحك الناس منه. وأما أعدائه فصوروه صوراً مضحكة وكتبوا تحتها (الدكتور فنتازس)
على أنه مع هذا قد صنع حقاً رصاصة من عبقر. وكان له مزاج الكيمياويين القدماء الذين يحيلون الرصاص إلى الفضة ويستخرجون من خسيس المعادن الذهب، ولكنه صنع فوق ما حسب هؤلاء أنهم صانعوه: قلب سماً معروفاً مألوفاً يتخذه القتلة المجرمون لإبادة الأنفس، فصيره دواء وشفاء وخلاصاً لتلك الأنفس من داء من شر داءاتها. طبخ الزرنيخ