للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلم والشعر في الوقت الحاضر]

بقلم هـ. وادنجتون

كان المستر جيوفري جريجس رئيس تحرير جريدة ذات مكانة عظمى بين الجرائد التي تنشر الشعر الحديث، ومن أشهر من صنف منتخبات شعرية حاول أن يصور بها الحركة الرومنسية التي بلغت أوج ازدهارها في بدء القرن الماضي في زمن وردزورث وكولريدج. ومما يثير دهشة المطلع على هذا الكتاب أن يجد إلى جانب المقتبسات من الشعراء والرسامين بضعة مقتبسات من مؤلفات كبار رجال العلم في ذلك العصر، مثل السير همفري دافي؛ ولكن المطلع لا يلبث أن يدرك أن جريجسن محق في عمله هذا. ذلك أن الحركة الرومانسية في أوجها كان لها تأثير شامل تخلل كل شيء حتى إنه ليمكن لمح أثرها في رجال العلم أنفسهم، أو على الأقل حين يقل خضوعهم للنزعة العلمية المدققة المتشددة. وأنا أريد في مقالي هذا أن أقرر أن القضية قد انعكست في يومنا هذا: أن العلم هو الآن صاحب النفوذ الأعظم والسيطرة الغالبة على تفكيرنا وأنه يصبغ الشعر العصري بصبغة خاصة متميزة.

ولعله يجدر. بي أن أقرر من البداية بكل وضوح أنني لست أدعي أنه كلما ازدادت المسحة العلمية للشعر كان الشعر أجود. فان أهم واجب على الشاعر هو أن يكون شاعرا جيدا، أما كونه شديد الحساسية بالشعور الغالب في عصره فهذا أمر ثانوي وإن لم يعن ذلك أنه أمر غير ذي بال. فالواقع أنه من السهل على الأديب أن يكون (عصريا) إلى حد يجعل من المستبعد خلوده؛ فالشعر المبالغ في العلمية في يومنا هذا من الراجح أنه سينسى سريعا كما نسي الشعر المبالغ في الرومانسية من مائة عام خلت. فأما ما أدعيه فهو أن معظم الشعراء اليوم سواء منهم الرديئون والمجيدون يطلعوننا في شعرهم على وجهة نظر تخلف وجهة العصور السابقة، يحق للمرء أن يعتبرها شديدة التأثر بالعلم. وفي زمان عمت فيه الفوضى والانحلال مثل العشرين عاما الأخيرة لا شك أن المرء يتمنى أن يلمح أية علامة تنبئ باقتران الفن والعلم، تينك الحركتين العظيمتين من حركات النشاط الإنساني، وأنه يشجع مثل هذه العلامة حين يتوسمها.

من السهل بطبيعته الحال العثور على أمثلة للأخيلة العلمية يستعملها الشعراء المحدثون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>