وأحيانا - وإن لم يكن ذلك دائما - تكون المادة العلمية قد نسجت نسجا بارعا في فكرة القصيدة كلها، ومثل ذلك التشبيه المشهور لاليوت
(حين يتمدد المساء على صفحة السماء كمريض خدر ومدد على منضدة).
ولكن هذه التأثيرات للعلم تافهة نسبيا. فليس يهم كون لغة الشعر وخياله علميين أو غير علميين، بل أهم من هذا بكثير أن نتساءل ماذا يفكر الشعراء وماذا يحسون عن العالم. ولكن على المرء هنا أن يحذر ويحتاط: فالشعراء لا يدلون دائما بتقرير جلي عن موقفهم من العلم حين يُعَنْوَنُ علماً، بل هم يعبرون عن موقفهم من مختلف حركات النشاط في العالم اليوم، وقبل أن نقرر ما موقفهم من العلم، يلزمنا أن نقرر ما هو الشيء الذي نعتبره اليوم علما.
تلك مسألة خطيرة. فالواقع أن مفهوم العلم قد طرأ عليه تبدل سريع. كان يتصور أنه في المحل الأول دراسة عارضة تحليلية للعالم، ولكنه مع ذلك شيء ليس يحاول تفسير الأشياء فحسب، بل يحاول أيضاً تأويلها (أي تفسيرها بتفسير يلغيها). وهكذا قابل الشعراء بحماسة وترحيب الانتصارات الأولى للعلم التحليلي. فأليك بيتي بوب المشهورين:
(ظلت الطبيعة وقوانينها محجوبة في ظلام الليل، حتى قال الله: ليكن نيوتن، فانقلب الكل نورا!)
ولكن ما جاءت الحرب الماضية حتى كانت تلك الحماسة قد تبخرت. فوجدنا ييتس يصف موقف العقل وصفا صريحا جليا بأنه:
(عقل يدك كل شيء دكا، حقود ذو ضغن ومرارة، منطقي صارم، ما حدث قط أنه أطل من عيني قديس، ولا من عيني سكير).
وهذا الاحتجاج ضد غطرسة الذهن، ضد محاولة الاستعاضة عن الحياة وخضمها الغزير الغني بفروض وتصورات تجريدية، هو من أهم التقريرات الشعرية وأعمها في الوقت الحاضر. فالشعراء يكادون يجمعون على أن هذا الموقف المادي الآلي المغرور بنفسه هو المسئول عن انهيار حضارتنا انهيارا مدمرا يرونه جميعا رأي العين.