للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

مسرحية ابن جلا

للأستاذ إسماعيل رسلان

ما كنت أحب أن يتصدى ناقد لمسرحية ابن جلا دون أن يكون ملما بحوادث المسرحية التي ينقدها، ويخيل إلى أن الناقد لم يكلف نفسه عناء مراجعة مقالة بل مراجعة نقده على الأصل، فنراه ينتقد حوادث الرواية فيقول (وعندما تعلم برغبته (أي الحجاج) في الزواج من هند بنت أسماء تلقي بنفسها في النهر) والله يعلم أنه ما دار في خلد المؤلف أن يصور الأهوازية باعثة نفسها. ولكن ناقدنا البصير خيل إليه أن الأمر كذلك مع أنه يدبج الصفحات الطوال في انتقاد البواعث الخفية للأشخاص، وهذا مثل يدل على قدرته في تفهم البواعث والحركات، فالأهوازية كما رآها من شاهد المسرحية إنما احتفظت بقوة شخصيتها وإيمانها بنفسها إلى أخر مراحل الرواية فهي لم تلق بنفسها في النهر تخلصاً من الحياة أو من حب مزدري به، وإنما ألقت بنفسها أولا ثم من عقاب صارم كان ينتظرها على يد الحجاج، وشتان بين هرب متحدي ومقصود، وبين محاولة للانتحار في استسلام واستخذاء!!

ويحسب صاحبنا أن المسرحية ينبغي (أن تصور الواقع التاريخي) فلا يجوز لها أن تخلق شخصية ليس لها سند من التاريخ المحفوظ ومن هنا كانت شدة نقده للمؤلف إذ خلق شخصية الأهوازية، وقد حسب صاحبنا أنه وقع على اكتشاف خطير إذ نراه يقترح على المؤلف أن يضع (هند بنت أسماء) بدلا من الأهوازية، وهو في كلا الحالين واهم، فإن المسرحية التاريخية من حقها أن تسجل ما أهمل التاريخ من صلات إنسانية لم يكن لها أن تجد طريقها إلى سجل التاريخ كما كان يعرفه الناس وقتئذ. ومما لاشك فيه أن الحجاج كان يحيا حياة عاطفية ما، ولاشك أيضاً أن المؤلف قد أصاب إذ خلق شخصية تسد تلك الفجوة التي أهملها مؤرخو العرب، ولو أن صاحبنا قد أنصف لعرف ما ينطوي عليه اقتراحه من تعسف وشطط. فلو أن الأستاذ محمود تيمور بك قد أخذ باقتراح الناقد البصير ونحفف في استعمال أسانيده التاريخية لما وسعه أن يجعل من هند بنت أسماء إلا شخصية ثانوية لا تحل من حياة الحجاج إلا سنة أو بعض سنة ثم لا يلبث أن يسلوها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>