للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صورة من الحياة العلمية في مصر]

٤ - تقي الدين السبكي

بقلم محمد طه الحاجري

تتمة

ولقد خلفت له هذه الولايات متاعب غير قليلة، وأثارت عليه دفائن من الحقد وسخائم القلوب، فقد نقم عليه ولايته قضاء الشام قوم من أهلها كانوا يطمعون فيها؛ وأخص هؤلاء أسرة جلال الدين القزويني قاضي قضاة الشام من قبل، وطبيعي أن يأخذ ذلك الحقد سبيله من السعاية والوشاية والتحريض عليه والتنفير منه؛ ثم كانت ولايته لخطابة الجامع الأموي مما زاد الأمر ضغثاً على إبّالة؛ فقد كانت الخطابة في بيت القزويني كذلك، ويقول زين الدين عمر بن الوردي في تاريخه: (لما توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني خطيب دمشق تولى السبكي الخطابة، وجرى بينه وبين تاج الدين عبد الرحيم أخي الخطيب المتوفى وقائع، وفي آخر الأمر تعصبت الدمشقة مع تاج الدين، فاستمر خطيبا). وكذلك أغضبت ولايته مشيخة دار الحديث الأشرفية قوما من أهل الشام كانوا يرشحون شمس الدين بن النقيب، ولقد سيقت إليه هذه الولاية وهو كاره، إذ كان قد رأى أن الذهبي هو الأحق بها وقد عينه لها، لولا سلطان الشهوات كما سنرى ذلك

هذا وجه من وجوه الحالة في الشام، وقبيل مما كان يسبب له المتاعب والآلام؛ وهناك وجه آخر يتعلق بما أشرنا إليه من قبل عما أوجده مذهب ابن تيمية من تفريق وخروج على المذهب الرسمي السائد

وقد رأينا أن اختياره كان منظورا فيه إلى تلك الحالة من السلطان، ونقول الآن إن القوم في دمشق كانوا يرون فيه ذلك أيضا، وكانوا يأملون أن يخلصهم من آثار (الحنابلة) وما أثاره زعيمهم القوي الجديد؛ ولعل المطامع الشخصية حسبت في ذلك سلما يمكن أن ترتقيه وتصل إلى أغراضها في مظهر ديني سابغ؛ ولكن تقي الدين كان أحكم من أن ينخدع بمثل هذا، كما كان أكبر من أن يخلط في تقدير الأمور؛ فأغضب الطامعين ولم يرض جماعة المتشددين المتكلفين

<<  <  ج:
ص:  >  >>