للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[(من وحي الاستقبال)]

لم يكن استقبال مصر لصاحب الجلالة ملك الأفغان لونا من ألوان

المجاملة التي تصنعها الرسميات في استقبال كل عظيم، ولم تكن

الحفاوة به مظهرا من مظاهر السياسة التي تفرضها الأوضاع نحو ملك

من الملوك، وإنما كان الاستقبال على حرارته والحفاوة على بهجتها

نتيجة طبيعية لشعور أصيل، مبعثه هذه القرابة الروحية العميقة بين

قلوب شعبين مجتمعين حول دين واحد وأبلغ الدلالة على مثل هذا

الشعور هو أن الملك (الأفغاني) لم يكن ضيفا عظيما على الشعب

المصري، بقدر ما كان الملك (المسلم) ضيفا كريما على مصر

المسلمة!!

وإذا رحت تعدد أواصر القربى على شعبين يلتقيان على الجوار أو يفترقان لبعد الديار، فلن تجد أصدق ولا أجمل من أواصر الدين والتقليد واللغة. . . ومدار الصدق فيها أو مدار الجمال أن آصرة منها قد تغني عن الآصرتين، حين لا يكون هناك بد من وجود بعض الفوارق بين تلك الأواصر الثلاث! فاللغة قد تحل محل التقاليد والدين حيث يرجى التقريب بين شتى الميول والأهواء، وقد يقوم الدين مقام اللغة والتقاليد حين ينشد التوحيد بين مختلف العواطف والنزعات، وقد تحقق التقاليد كثيراً من تلك الأمور حين لا يكون الدين واللغة تراثا مشتركا بين الشعوب. ولكن أثر الدين في التقاء النفوس على التآزر والتضافر والإيثار والحب، هو أقوى الروابط الإنسانية وأحفلها بصفات الألفة ومقومات البقاء، لأنه العاطفة الكامنة بين الجوانح كمون الحياة نفسها بكل ما فيها من معاني الوجود الأزلي الذي لا تحده العصور!

وحسبك دليلاً على أثر العاطفة الدينية ما كان يحسه كل مسلم هنا نحو محنة إندونيسيا أو محنة الباكستان. . . آماد وأبعاد، ولغة غير اللغة ووطن غير الوطن وتقاليد غير التقاليد، ولكن الدين وحده قد غطى على كل هذه ليكشف عن شيء واحد: هو هذا الشعور المشترك

<<  <  ج:
ص:  >  >>