كان الخفاء وما يزال الفضول والروع، ومصدر الأساطير الغريبة الشائقة؛ وفي عصور ومواطن كثيرة كان الخفاء عماد دعوات وثورات سياسية واجتماعية خطيرة، وكان مبعث دول قوية قامت في ظروف غامضة، واستندت في قيامها إلى دعوات ومبادئ خفية؛ وكان هذا الخفاء نفسه مصدر قوتها وحياتها. وقد شغلت هذه الفورات والدعوات الخفية فراغا كبيرا في التاريخ الإسلامي، وخصتها الرواية الإسلامية بكثير من التفصيل والجدل؛ ومازلنا نلمس آثارها حتى اليوم في بعض الطوائف والمجتمعات التي تلوذ في عقائدها وتقاليدها بكثير من الغموض والخفاء.
وقد كانت قصة المهدي المنتظر بلا ريب من أشد مواطن الخفاء في التاريخ الإسلامي وكانت أخصبها موردا للأساطير، واحفلها بالدعوات والفورات الخفية؛ ويكفي أن هذه الأسطورة الغريبة كانت مبعثا لطائفة من الدول القوية التي كان لها أكبر الأثر في سير التاريخ الإسلامي كما أنها كانت مصدرا لطائفة من الدعوات والمذاهب الدينية والاجتماعية التي شغلت مكانا كبيرا في الكلام الإسلامي. كانت أسطورة المهدي عماد الدولة الفاطمية التي قامت في قفار المغرب الأوسط حول تلك الشخصية الخفية - شخصية المهدي المبعوث - وحول رسالتها وإمامتها؛ ثم افتتحت مصر والشام وبسطت سيادتها على قلب العالم الإسلامي فيما بين آسيا الصغرى والحرمين؛ وكانت عماد دولة الموحدين التي قامت في قفار المغرب الأقصى، وسادت بسائط المغرب والأندلس أكثر من قرن؛ وكانت عماد طائفة كبيرة من الثورات والفتن الدينية التي وقعت في مختلف العصور في أنحاء العالم الإسلامي. وكان الخفاء صفة ملازمة لأسطورة المهدي قبل البعث وبعده، يسبغ على القائم ودولته وخلفائه نوعا من القداسة الروحية أو السمو فوق بني الإنسان.
ومنذ عصر الإسلام الأول تتبوأ هذه الأسطورة مكانها في الكلام الإسلامي، وتقوم على عناصر الغموض والخفاء، فنرى من غلاة الشيعة من يقول إن عليا بن أبي طالب لم يمت، ولكنه حي غائب عن أعين الناس، مستقر في السحاب، صوته الرعد والبرق في سوطه؛ ونرى منهم من يقول مثل ذلك القول في ولده محمد بن الحنفية، وأنه مستقر في جبل