أثبتت محنة الكوليرا الأخيرة شدة تعلق الإنسان بالسلامة وطول البقاء. فهذه الاستفهامات التليفونية التي توجه إلى طبيب العائلة - والتي لا تقف عند حد - تملأ الطبيب ثقة بنفسه وغروراً بمركزه كحصن الألمان يلجأ إليه عند الملمات ومنطقة النجاة تلقى للتائه في اليم الخضم ليصل بوساطتها إلى الأرض الطيبة عساه أن يدب عليها من جديد ويسعى فيها متمنعاً بشمسها وقمرها وليلها ونهارها ولذائذها وطيب ثمارها.
إن الكوليرا عنيفة في هجومها، لا تعرف سناً أو جاها أو مالا. تغزو الأكواخ والقصور سواء بسواء وسيان عندها مزهو في دمقس وغارق في بالي الأسمال. ولقد كانت فيما مضى فتاكة لا تبقي ولا تذر ولكن اشكروا طبيب المعمل فقد روضها كما تروض الأسود والفيلة الضخام ثم سلم رسالته إلى طبيب العلاج ليطبقها على الضحايا من عباد الله فنال الشكر والحمد والثناء لنفسه وبقي طبيب المعمل في ركنه يوالي أبحاثه في صمت وسكون. لقد حضر لكم الطعم الواقي مثلا وهو أكيد في مفعوله إذ يولد مناعة لا تزيد مدتها عن الخمسة شهور ويأخذ الشخص الكبير منه ٠ , ٥سم ثم ١سم من أسبوع أي ٤٠٠٠ مليون ثم ٨٠٠٠ مليون جرثومة. أما الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم السنتين يأخذون ٠. ٢٥ ثم ٠. ٥ سم والذين تقل أعمارهم عن العامين يلزمهم ٠. ٢ ثم ٠. ٤٠ سم بعد أسبوع. ولا تتولد المناعة بعد حقن الطعم قبل عشرة أيام على الأقل ولذا يجب اتباع الاحتياطات اللازمة طوال هذه المدة ولا يغرينا الشعور بالسلامة الكاذبة على التراخي في هذا السبيل.
أما عن العلاج فقد دق لكم الطب في ميدانه أسافين عدة جعلت مقاومة المرض مائعة مراوغة بعد أن كانت كالصاعقة تضرب ضربتها بلا تردد وبلا إنذار.
إن قرص السلفاجوانيدين مثلا من وسائل العلاج الحديثة ولما أذيع أخيراً عن تأثيره في سير المرض تهافت الناس على إقتدائه بدرجة جعلته يكاد يختفي من الأسواق في ساعات وهذا خطأ فادح لا أقرهم عليه فلو تركوه بوفرته السابقة لكني وزيادة. فالمريض يلزمه للعلاج مائة وأربعون فرص تقريباً ولو (لا قدر الله) بلغت الإصابات الألف عداً لكان الموجود من الدواء يكفي وزيادة ويتعاطى منه المريض عادة ستة أقراص كل ٤ ساعات