هذه الصورة - التي عرضتها أمام أهل القاهرة إحدى ممثلات السينما في شيء كثير من الإسراف الذي يعشقه رواد الملاهي، وفي شيء كثير من الانحراف عن حقيقة التاريخ التي قلما يعبأ بها أصحاب القصص، ومؤلفو المسرحيات - هي من تلك الصور التي تتجاوز في حقيقتها وفي طبيعتها مذاهب الوهم ومسابح الخيال. وحسب كل إنسان أن تعرض أمامه الصورة كما كانت لا كما يتوهمها القصصيون.
ليس لكريستينا مكان بين كبار الملوك، ولكن لها شخصية قوية غريبة تستفز لتصويرها كل من يهوى الشيء النافر الغريب الشاذ.
ولدت في أول الربع الثاني من القرن السابع عشر، وكان مولدها في شهر كانون الأول: في عنفوان الشتاء القارس، حين يصبح الهواء زمهريراً والماء جمدا. ويوشك الدم أن يتجمد في عروق الناس والحيوان. . . وكان حقيقا بمن يولد في هذا الشهر أن يكون في طبعه تؤده وبرود، ورزانة وهدوء. . . غير أن ابنه جوستاف اودلف، ما كانت تعرف الهدوء ولا البرود، بل كانت كتلة من الشرر المتطاير واللهيب المندلع.
وسيظن الناس إننا نعبث حين ندعي أن لشهر كانون تأثيرا فيمن يولدون فيه. ولنسلم لهم أن في هذا الزعم ما فيه من عبث، وان شهر المولد ابعد الأشياء من أن يؤثر فيمن يولد فيه. ولكن، بعد التسليم بهذا أنستطيع أن ننكر ما للبيئة من تأثير لا يحد، وقضاء لا يرد، وأفعال لا تعد؟ كيف والبيئة هي الركن الركين في فلسفة الفلاسفة وعلم العلماء؟
ولقد ولدت كرستينا تحت سماء اسكندناوية مكفهرة تغشاها السحب، وتكتنفها الغيوم، في بلاد تجمد أنهارها في الشتاء، فلا تجري فيها قطرة ماء، وتجمد البحار فلا تستطيع السفن حراكا؛ ويتساقط الثلج، ويتراكم أكداسا فوق أكداس، فلا ترى العين حيثما نظرت سوى هذه الكتل البيضاء، تكسو الشجر والحجر، والحقول والدور. . . ويبرد الهواء حتى ليكاد النفس أن يجمد حين يغادر الشفتين، ويعجز النبات عن النمو، فيبقى في الثرى هامدا جامدا، ينتظر ربيعا لا يجيء إلا أخيرا، وصيفا لا يدوم إلا زمنا يسيرا أما الخريف فما له هنالك من مأرب سوى أن يمهد للشتاء السبيل؛ وكثيرا ما يندمج فيه، ويصبح ويمسي جزءا منه.