وكان خليقا بمن يولد في هذه البيئة - إذا كان هنالك معنى لما يقوله أصحاب مذهب البيئة - أن يكون هادئ الطبع، لا يصدر في أعماله إلا عن تؤدة وترو، بعيدا عن طيش أهل الشرق وخرقهم الذي اكتسبوه من حرارة هوائهم، كثير التبصر في العواقب، والادخار للمستقبل المظلم كظلام الشتاء؛ مولعا بالعدل بعيداً عن الاستبداد والظلم اللذين هما من خصائص الشرقيين، أهل البلاد الحارة، لأن العدل نتيجة الروية والأناة وقلة الاندفاع، وهذا كله من المزايا التي يمنحها الله لعباده الذين يعيشون في بيئة باردة.
وكأنما أرادت كرستينا أن تقلب هذه السنن جميعا فتجعل عاليها سافلها، فإذا هي وسط هذا الجليد والزمهرير شعلة من نار لا تخبو، ولهيب متقد لا يهدأ، وإذا في طبعها اندفاع وعنف، وإذا هي شديدة القلق، بعيدة عن الهدوء والاستقرار. . . مسرفة مبذرة تبذيرا أفقر الدولة، جائرة في الحكم حتى لقد مالت إلى النبلاء ميلا شديداً، ومنحتهم موارد الدولة وغمرتهم بالهبات. . شديدة الغرور حتى لقد كانت تضع التاج تحت قدميها، وتزعم أنها تفخر إذ تطأ برجلها ما يجلل هام الملوك، وقد نسيت أن ممن حمل ذلك التاج أبوها العظيم جوستاف ادولف. . . وعلى حدة ذكائها النادر لم تستطع أن تفهم إنها مهما عظمت فإنما عظمتها الحقيقية في عظمة بلادها. . . فكانت لا تعنى إلا بأبهة الملك، وبمظاهر العظمة دون حقيقتها، ومن اجل أبهة الملك أرسلت في طلب ديكارت المسكين، وألحت عليه في أن يقيم بقصرها في أستكهولم لكي يدارسها العلم والفلسفة. فجاء الفيلسوف العظيم وقضى نحبه بعد ثلاث سنين قضاها في بلاد لا يلائمه هواؤها ولا جوها.
وكانت متكبرة اشد الكبرياء، غيورة لا تطيق أن يعرف لأحد فضل، أو يشتهر له بين الرعية ذكر، حتى لقد أساءت إلى الوزير القدير اكسنستيرنا، الذي لم يكن في البلاد في أوربا كلها اقدر منه. . . وكانت جامحة في شهواتها اشد الجموح، منغمسة في اللذات انغماسا يزري بالمتوحشين من أهل أفريقية، ومع ذلك فما هي من أهل الشرق ولا من أهل أفريقية، بل من ذلك الجنس الشمالي التيوتوني الذي اشتهر بالاعتدال وبرود الطبع، كما اشتهر بالشعر الأشقر والعيون الزرقاء. . . فكأنما أرادت كرستينا أن تصفع أصحاب مذهب البيئة باليمن، وأصحاب مذهب الوراثة بالشمال.
لكن البيئة والوراثة ليستا بالشيئين الوحيدين، اللذين خرجت عليهما كرستينا وطعنتهما في