تحت هذا العنوان الساذج الغريب قص الأديب الفرنسي ألفونس دوديه تاريخ حياته في كتاب نشره سنة ١٨٦٨، وقد أطلق هذا اللقب على بطل القصة، دانييل إيسيت، ذلك الغلام النكرة المهمَل الذي لا يعنى به أحد لأنه شئ صغير!
أَلا يعبر هذا اللقب عن معنى بعيد عميق في نفس الكاتب؟ أليست له قيمة رمزية أصيلة؟ ألا يلخص ويعنون ناحية ممتازة من شخصية دودية وفنه كما لخص وعنون شطراً من حياته؟. . .
الشيء الصغير هو ما تراه أمامك ولا تلحظه، ما قد تصطدم به ولا تلتفت إليه، هو ما يجاورك ويلازمك في أكثر الأحيان ولكنك لا تعيره اهتمامك ولا تأبه له لأنك اعتدته أو لأنه. . شئ صغير!
وهذا (الشيء الصغير) هو قوام قسط كبير من سحر دوديه. فإن كل صفحة من أدبه عامرة بالتفاصيل الدقيقة المنتقاة، والملامح الخفية الشاردة، والكلمات القصيرة العابرة التي تترجم خليقة من خلائق الناس، أو تبرز وضعاً من أوضاع الأشياء، وتطبع في ذاكرتك إلى الأبد هذا المشهد أو ذاك مما يصف الكاتب
وليس أدل على ذلك من أن لدوديه (طاحونة) أصبحت علماً من أعلام الأدب الفرنسي منذ أن رسم صورة حية لها لا تفارق مخيلة من قرأ ديوان أقاصيصه الريفية (رسائل من طاحونتي): فهناك قط ضاويّ على نافذتها، وبومة غبراء فوق سطحها المتهدم وشعاع من القمر الساجي يكسوها ليلاً، ونور غامر يتفجر في أركانها نهاراً، ونفخة من ريح الشمال تهب عليها، وغابة من شجر الصنوبر تتدرَّج أمامها سفح الجبل. . .
وقد نشرت (الرسالة) في ٤٤١٩٤٩ ترجمة لتحفة جميلة من
أقاصيص ذلك الكتاب عنوانها (الشيخان)، لا يقرؤها القارئ
مرة إلا عاودته مشاهدها مراراً: أولاً مشهد الساعي القروي
العجوز الذي يفتتح القصة مزهواً فخوراً إذا يحمل في يده