أم من عصر العقل إلى عصر القلب؟ أم من عصر العقل إلى
عصر المعدة؟
مشكلة الفقر والغنى بين العلم والقانون والإيمان
للمرحوم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي
يزعمون أننا في عصر العلم، وفي دهر القانون، ويريدون أن يسلبوا الناس إيمانهم، كأن الإيمان هو مشكلة الإنسانية؛ مع أنه لا حل لمشكلتها إلا به. إن مسالة الغنى والفقر، وما كان من بابهما لا يحلها العلم ولا القانون إذ هي من مواد القضاء والقدر في إنشاء الآلام والأحزان وأضدادها التي تقابلها، وما كان فوق الإنسانية من السماء قوة لا تحد، وتحت الإنسانية من القبر هوة لا تسد، فلا نظام إلا على تصريف النفس أمراً ونهياً، وتأويل الحياة معنى وغاية، فإن لم يكن الشأن في ذلك مقرراً في الغريزة على جهة الإيمان، فلن يكون العلم والقانون على ظاهر النفس إلا ثورة بما في باطنها، ولن يبرح الناس على ذلك بعضهم من بعض كالهارب منه وهو مضطر إليه، أو كالمضطر إليه وهو هارب منه، وكلّ من كلٍ في معنى من معاني النفس لا إنسانية فيه
ما زاد العلماء على أن خلقوا في ساعدي الحياة هذه العضلة البخارية، وذلك العصب الكهربائي. فمن لم يستطع أن يتوقى ضربة الحياة المدنية بعدة من قوة، وعتاد من مال، طاحت به فدكته دكّ الخسف، ووضعته من الناس موضع الحبة من الرحى الدائرة. فما بينه وبين أن ينهار موضع يستمسك عليه، وإنما هذا الموضع هو إيمان المؤمن إذ يعطف على الضعفاء أو يسعد أو يبرّ بما كتب عليه أن يرق لهم من ذات نفسه ويتحنى ويتوجع.
ومتى كان العلم والدين يقومان جميعاً على تنظيم الطبيعة في مادتها وإنسانيتها لم تجر الإنسانية إلا على بقاء الأصلح في الجهتين، فإذا تخلى بها العلم وحده فلن تجري أبداً إلا على ناموس بقاء الأصلح في ظاهرها لإيجاد الأفسد في باطنها.
لن يصلح الإنسان للحياة الطيبة - ما دام بهذا التركيب الذي لن يتغير - إلا إذا وازن بين بيئته التي هو يوجهها وبين طباعه التي توجهه، فقيد أشياء في قيودها، وأطلق أشياء من