ملأت فضائلك البلاد، وبقيت ... في الأرض، يقذفها الخبير إلى العَمِى
فكأن مجدك بأرق في مزنه ... قِبَل العيون، وغرة في ادهم
واليوم مقذ للعيون بنقعِه ... لا يهتدي فيه البنان إلى الفم
لم يبق غير شفافة من شمسه ... كمضيق وجه الفارس المتلثم
فأنت، أبقاك الله ومتعك بالعافية، قد كنت في تاريخ العرب الحديث نفحة علوية من مجد آبائنا الغر الميامين، وكنت في ضمير كل عربي صدى للأماني البعيدة التي لا تزال ترددها دماؤنا في أبداننا العربية الحية، وكنت قبساً من فضائل أسلافنا يحدث عن نفسه بلسان عربي مبين، وكنت برهاناً جديداً لأهل البغي على أن العربي لا يذل أبداً ولا ينام على الضيم براد به. ثم كتب الله لك بعد عشرين سنة من الأسر أن تعود كما كنت عربياً حراً حمي الأنف ذكي الفؤاد، تأنف لأمتك وعشيرتك أن بروا ميسم ذلهم وأعوانهن على جبين أكرمه الله بالنصر مرة، وامتحنه بالأسر تارة أخرى. فعش في حمى مصر أيها الرجل أميرا على قلوب مليون نسمة من العرب وأربع مئة مليون من المسلمين، وجزاك الله عما قدمت للعرب أكرم جزاء وافاه.
كنت يومئذ في العقد الثاني من عمري شاباً ينبض بين جنبيه قلب يتلفت إلى مجد آبائه ويحن إلى تاريخهم حنيناً طويلاً كأنه لوعة ثكلى على وحيدها، وكانت مصر كلها لا تزال ترسل الصرخة أثر الصرخة طالبة أن تنال في الحياة حريتها التي استلبها البغاة الطغاة شياطين الأرض، وكانت الدماء في أبداننا تريد أن تطفي ظمأ الأرض المصرية بما يجري على ظهرها من دماء الشهداء حتى تمحو عار الاحتلال عن هذه الأرض المطهرة، ولكن زعماءنا أبوا إلا السلم وطمعوا أن تنال حقنا بالمفاوضة، أي بخديعة الغاصب حتى ينخدع لنا فيترك لنا ما سلب.
ثم أصبحنا يوماً فإذا بنا نسمع عن (أسد لريف) الذي هب من غابه ونفض نواحيه وزمجر