للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فلسفة التعمير في الحياة]

للدكتور فضل أبو بكر

وخوف الردى آوى إلى كهف أهله ... وعلم نوحاً وابنه صنعة السفن

وما استعذبته روح موسى وآدم ... وقد وعدا من بعده جنتي عدن

(أبو العلاء المعري)

التشبث بأهداب الحياة أمنية كل إنسان، بل هو هدف جميع المخلوقات من الأحياء، وهي ليست أمنية أو محض رجاء، بل هي سعي وكفاح أزلي دائم بين تلك الأحياء تتنازع فيه من أجل البقاء ولأجل البقاء، فينتصر في هذا العراك الأقوى ويحرز النصر الأصلح على حساب الضعيف الذي لا تعد له الطبيعة حسابا، كما سمعت صيحة أزلية داويه يتجاوز صداها في خلال القرن (الويل للضعيف)! وتنازع البقاء هذا هو علة العلل - هو سبب الويلات الحروب التي يشنها الأفراد كما تشنها الأمم بعضها على بعض من حين إلى حين كلما اشتدت وطأة هذا التنازع، كما تشتد وطأة البراكين فتثور ثائرتها وتقذف حممها وهذا التنازع يغري بالأثرة ويوعز بالأنانية التي تعد من أقوى الغرائز المستأصلة في الإنسان، وقد يخفف من وطأتها ويهذب بعض الشيء من شراستها القوانين الأخلاقية وما انزل من السماء من كتب مقدسة تحث على الإيثار وتندد بالأثرة، ولكن هيهات! إذ الطبع يغلب على التطبع، والغرائز لا يمكن استئصالها وان كان من المحتمل تهذيبها

ألم يأتك نبأ ألام وقد خرجت من دارها مذعورة تحمل وحيدها على ذراعيها لما طغى الماء وهدد بالطوفان؟! كانت ترفع فلذة كبدها إلى أعلى رويداً رويداً كلما زاد طغيان الماء وعلا منسوبه ولما قارب الماء وجهها رفعت الابن إلى هامت رأسها، وما أن أدرك الماء الوجه منها وهددت بالأختناق والغرق، حتى ألقت طفلها في القاع لكي تعلو عليه فيقيها شر الخطر المحدق ولو إلى حين! ضحت بابنها لكي تنجي نفسها ولم تضعه في تابوت مريح وتسمي عليه كما فعلت ام موسى، وكما يقول المرحوم شوقي بك في إحدى قصائده:

كأم موسى على اسم الله تكفلنا ... وباسمه ذهبت في اليم تلقينا

وقد يبدو من تصرف تلك ألام كثير من الأنانية، غير أن غريزة حب النفس طغت على عاطفة الأمومة، وهل عاطفة الأمومة نفسها إلا جزء من غريزة حب النفس؟! فالأم تحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>