لم ينس العرب هذه الحوادث فبعثت فيهم الكبرياء القومي، فقالوا إن الجيوش الرومانية سارت ذات مرة - على أية حال - تحت لواء أميرة عربية، ولكن القصة - كما نستدل من أخبارهم - ذات صلة قليلة بالواقع، ولم يقتصر التغيير على أسماء الأشخاص والأماكن فحسب، (كما حدث في اختلاط اسم زينوبيا باسم وزيرها زبدي) بل إن الوضع التاريخي قد أصبح مستحيلاً على التمييز. وكل ما بقى لا يتعدّى قصة من قصص المخاطرات التي كان عرب الجاهلية يميلون إلى سماعها، وكما هو الحال اليوم في أبنائهم المحدثين الذين لا يملون سماع قصة عنتر أو ألف ليلة وليلة
ويقال إن أول ملك من العرب الذين استقروا في العراق هو مالك الأزدي الذي رمى بقوس من يد ابنه سليمان وقبل أن يسلم الروح قال بيتاً راح فيما بعد مضرب المثل:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وقد وحّد مملكة مالك - إذا جاز أن توصف بهذا اللقب - ونظم أمورها ابنُه جذيمة الأبرش (وهو تصحيف أدبي لكلمة أبرص)، الذي حكم كتابع لأردشير بابكان (٢٢٦م) مؤسس الدولة الساسانية في فارس، التي استمرت مسيطرة على عرب العراق طول فترة ما قبل الإسلام، وإن جذيمة هذا لبطل كثير من الخرافات والأمثال، وكان من كبريائه - كما يقال - إنه لم يكن ليسمح لأحد ما بمجالسته ومنادمته سوى نجمين يسميان بالفرقدين، فإذا ما عاقر الحان صبّ لكل منهما كأساً، وقد علقت أخته بوصيف له يدعى (عديا بن نصر)، وفي لحظة لعبت الخمر برأس جذيمة رضى بزواجها إياه، فبنى عدي بها؛ وفي الصباح، عندما عاد أخوها إلى رشده، وثاب إلى صوابه تميز من الغيظ من تلك الخديعة التي جازت عليه فأطاح رأس الزوج المسكين، وأرغم أخته أن تتزوّج من عبد حقير، ومع ذلك فلما وضعت غلاماً تبنّاه جذيمة وكلأه بعطفه وحدبه؛ واختفى الشاب عمرو ذات يوم فجأة ويئس