للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

ملْتُن. . .

(القيثارة الخالدة التي غنت أروع أناشيد الجمال والحرية

والخيال. . .)

للأستاذ محمود الخفيف

- ١ -

في اليوم التاسع من شهر ديسمبر سنة ١٦٠٨، فتح الوليد جون ملتن عينيه على نور الوجود؛ وبمولده رزقت إنجلترة أعظم شعرائها قاطبة حتى يومنا هذا، إذا استثنينا (شكسبير) وحده، واستقبلت الدنيا قرين الثلاثة الأفذاذ من شعراء الغرب الخالدين: وهم (هوميروس) و (دانتي) و (شكسبير).

وكانت إنجلترة حين مضى الطفل يستقبل حياته، تستدبر في حياتها الأدبية عهداً وتستقبل عهداً. كانت إذا شبهنا ذينك العهدين بفصلين من فصول السنة، بين أعقاب الربيع وطلائع الصيف؛ فأما الربيع المدبر، فكان العصر الأليزابيثي، وأما الصيف المقبل، فكان العصر البيوريتاني. ولقد ألف مؤرخو الأدب الإنجليزي أن يسموا العصر الأول عصر (شكسبير)، والعصر الثاني عصر (ملتن).

وكان العصر الذي تستدبره إنجلترة ويستدبره ذلك الوليد، عصراً فذاً في العصور الأدبية جميعاً، إذا استعرضنا التاريخ الأدبي لهذه الدنيا قديمها وحديثها. . .

كان حافلاً كما يحفل الربيع بالضوء والنماء والزينة، وكانت ألحانه كألحان الربيع أنماطاً تملأ الأسماع من كل ركن وفي كل سهل، وكانت نفوس أهله تستشعر روح العصر كأقوى ما تستشعر الأنفس روح الربيع، ففي كل قلب تسري الفرحة، وفي كل جسم تدب القوة، وفي كل ذهن يقوم إحساس قوي غامر بجمال الحياة، والأمل في الحياة، والرغبة في الاستزادة من لذائذ الحياة. . .

وإنك لتجد لهذا العصر روحاً مميزة شاعت في حياة الناس، وسيطرت على تلك الحياة، وتتلخص هذه الروح فيما يفهم من كلمتين هما النهضة والحرية: فأما الأولى، فقوامها إحياء

<<  <  ج:
ص:  >  >>