للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمامه، ويشاركه سرّاءه وضراءه، أما المترفون الذين يريدون أن يناموا على عواتق الشعب، ويغتنوا من مال الشعب، فإن هذا الشعب ينكرهم ويبرأ منهم فعلى الزعماء أن يفهموا ذلك حق الفهم، وأن يكون لهم في رسول الله أسوة حسنة، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه، يجوع كما يجوع قومه، ويتعب كما يتعبون، ويعمل بيده مثلما يعملون، بنى معهم مسجد المدينة، وحفر معهم الخندق، وكان يسرع إلى الخطر بنفسه. وقع الصريخ مرة في المدينة، فخرج الناس عجلين، فإذا هم برسول الله، قد وصل إلى مكان الخطر على فرس عريان، لم ينتظر حتى يسرج له، ورجع يطمئنهم بأنه لا شيء هناك. ولقد ثبت يوم أحد ويوم هوازن لما انهزم الناس، وكان يقول معرفاً بنفسه: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. لم يسق الناس إلى الموت ويقم في قصره، ولم يختص نفسه بمأكل ولا ملبس ولا مركب، ولم يربط لنفسه وظيفة من بيت المال، ولم يحمل أسرته وأهله على الناس، ولم يول عاجزاً ولاية لصداقة أو قرابة، ولم يبعد عنها قادراً لبغض أو عداوة، ولم يتخذ قصراً، ولم يقم حاجباً. وكذلك كان خليفته وصاحبه أبو بكر، وكذلك كان أمير المؤمنين عمر، ومن أجل ذلك أجمع الناس على طاعة أبي بكر وعمر، فلم يختلف عليهما اثنان!

أما إن الشعب أقوى الشعوب روحاً، وأطيبها عنصراً، وأصفاها جوهراً، ولكنه ينقصه الزعماء، فهاتوا واحداً مثل عمر ليقوده، وانظروا كيف يأتي بالمعجزات!

(دمشق)

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>