للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صوت من نجيب فهل من مجيب]

لصاحب الفضيلة الأُستاذ محمد البشير الإبراهيمي

شيخ علماء الجزائر

حضرت قبل أسابيع حفلة تكريم للقائد الشعبي العظيم محمد نجيب، أقامتها جمعية من الجمعيات العاملة للإسلام، وسمعت خطباً عادية في المعنى الذي أُقيمت له الحفلة، وسمعت قطعة من الشعر، أشهد إنه شعر حي صادق في تصوراته وتصويراته، وأنه مس مكامن الإحساس مني حينما مس فلسطين، وكأنما غمز من قلبي جرحاً مندملاً على عظم، ثم سمعت في الأخير كلمة القائد البطل، وكان أقلها عن مصر وحركة الجيش وأسبابها وأهدافها، وأكثرها عن فلسطين وحربها وحالةأهلها المتشردين

وأقول: القائد ولا أقول: الرئيس؛ لأنني كنت أسمع كلام قائد لا كلام رئيس، وكنت أسمع كلامه فافهمه بمعنيين: معنى هو الذي تفيده الألفاظ والتراكيب، وينتقل بالسامع من خبر إلى خبر ومن وصف إلى وصف، ومعنى أخر مساوق له ممتد معه، وهو أن هذا الكلام نفسه قائد. . فيه من القيادة أمرها ونهيها وحزمها وصدقها وواقعها وتوجيهها ومضاؤها وجرأتها وجميع خصائصها، فافهم من ذلك كله إن القيادة هي صفته الذاتية، خلقت معه مستسرة في روحه ودمه، ولونتها فطرته السليمة، وكونتها تربيته الشعبية، كما أن الأقدام هو صفة الأسد الذاتية التي خلقت معه؛ فلما أدت قيادته العسكرية رسالتها وبلغت مداها انقلبت قيادة شعبية سماها العرف رياسة، وما هي - في الحقيقة - إلا امتداد لقيادته العسكرية، والقائد القوي الخصائص، في الأُمة الكثيرة النقائص لا يزال يخرج من حرب إلى حرب ويدخل من قتام في قتام.

سمعت كلمات القائد متئدة رزينة، فلما لمست فلسطين ظهرت شجية حزينة، فنطق بالصدق، ولا أصدق من شهادة عيان، محمد نجيب إذا تكلم عن حرب فلسطين، وصور نكبة فلسطين، كان الرواية الثقة والضابط العدل. وقد حلل تلك السبة الخالدة، وعللها باثنتين: قبول الهدنة وفقد السلاح. ثم برأ الشرف العسكري العربي كله من وصمة التخاذل، ولم يعرج على التخاذل السياسي بين ملوك العرب وساستهم، ولكن عده لقبول الهدنة أحد سببي النكبة، وأبلغ من التصريح، في الاتهام والتجريح، فان الراضين بالهدنة هم رؤساء

<<  <  ج:
ص:  >  >>