المعنى السياسي لانتخابات مجلس النواب الفرنسي عام ١٩٣٦
للدكتور يوسف هيكل
مجالس النواب في البلاد البرلمانية الديمقراطية هي التي ترسم سياسة البلاد، فإن أحسن المجلس العمل كافأه الشعب على ذلك بإعادة الأكثرية التي تسند الحكومة إلى المجلس الجديد؛ وإن أساءه انفضت الأمة من حوله وأرسلت إلى مجلس النواب، حين الانتخابات عناصر جديدة لاتباع سياسة جديدة. ويسهل على الشعب معاضدة الأكثرية الحاكمة، أو الحكم عليها، في البلاد ذات الحزبين أو الثلاثة، كما هي الحال في بريطانيا؛ ويصعب عليه إلقاء التبعة على حزب، في البلاد ذات الأحزاب العديدة والتي لا تستطيع تشكيل حكومة إلا بعد اتفاق عدد منها على الاشتراك في الحكم: كما هي الحال في فرنسا. وعلى كل فإن الشعب يستطيع التمييز بين الأحزاب، وإن كثر عددها، فيقوى أحدها ويضعف الآخر.
والانتخابات الفرنسية الأخيرة التي جرت في ٢٦ أبريل و٣ مايو من هذا العام، ترى كيف أن المنتَخِب الفرنسي غير فكرته السياسية، فقوى أحزاب اليسار: الشيوعي والاشتراكي وأضعف أحزاب الوسط، بما فيهم الحزب الراديكالي وأحزاب اليمين. ومما لا شك فيه أن لعلمه هذا معنىً سياسياً. فما هي الأسباب التي دعته إلى تغيير فكرته؟ هذا ما نحاول إبانته في هذا المقال. غير أنه يحسن بادئ الأمر أن نعرض بإيجاز موقف مجلس النواب السابق تجاه الحكومة، لنرى كيف كان ذلك عاملاً كبيراً في تغيير الناخب الفرنسي رأيه في الأحزاب. وأخيراً نتساءل فيما إذا كان في إمكان مسيو بلوم تأسيس وزارة قوية ثابتة، أم ستجابهه الصعوبات التي جابهت زميله مسيو هريو؟
- ١ -
جدير بالذكر أن الشعب الفرنسي لم يرسل إلى مجلس نوابه يوم ٨ مارس سنة ١٩٣٢ هيئة في إمكانها تأسيس حكومة ثابتة ومتجانسة. وكل ما هنالك أن حكمه كان سلبيا. لقد أقصى عن الحكم الأكثرية السابقة، غير أنه لم يستعض عنها بأكثرية متجانسة. لقد أظهر عدم رضاه عن سياسة (تارديه ولافال) غير أنه لم يمكن مسيو هريو من الحكم.