وقفة بالعقيق نطرح ثقلا ... من دموع بوقفة في العقيق
مائل بين أربع مائلات ... ينزع الشوق من فؤاد علوق
(البحتري)
. . . أصابتنا في المدينة عين من المطر، فحبستنا في الدار أياماً، وجاءت بعد محل من الأرض، وشح من السماء، فروت الأرض، وأسالت الأودية، فاستبشر الناس بنا إذ كان قدومنا خيراً، وزيارتنا غيثاً، ومقامنا ربيعاً؛ وليس أجمل في أرض العرب من الربيع، ولا أجدى من الغيث؛ ثم انقشعت الغيوم بعد أيام، إلا جهاماً من السحاب هفاً رقيقاً، وأفتق قرن الشمس فخلع على الدنيا حلةً نسجت من خيوط النور. . . . وحلى اليوم وطاب، فخرجنا من دورنا نستمتع بجماله وطيبه، ونملأ صدورنا بهذا النسيم الناعش، وعيوننا بهذه المناظر الخلابة، وآنافنا بهذا الأرج يتضوع من هذه التربة المعطرة (بعطر السماء). . . وسرنا في (شارع العنبرية) نريد الحرم،، فلم نكد نتعدى (المناخة) حتى قيل: قد سال العقيق. . فإذا الوجوه تطفح بالبشر، وتفيض بالسرور، وإذا على كل لسان: قد سال العقيق. . . وإذا الناس يستعدون للخروج!
وهل يملك الناس نفوسهم، فيقعدون لا يخرجون إلى العقيق، وقد سال العقيق؟ وهل يذكر عربي العقيق ثم لا يذكر الحب والشعر، والفن والجمال، والحياة الناعمة والعيش الرغيد؟ أولم يكن وادي العقيق رمز الهوى والشباب، ومغنى الغنى والغناء، ومثابة الفن والأدب، ومجمع العشاق، وندى الشعراء؟ ألم يكن العقيق قلب المدينة حين كانت المدينة قلب العالم؟ ألم يولد على جنبات العقيق ديوان كامل من أبرع دواوين الأدب العربي وأحلاها؟ ألم تعش على أطراف العقيق العشرات من القصور الفخمة، والرياض النضرة، والمغاني التي فاض منها الشعر والسحر والعطر على الدنيا كلها؟ أليس لاسم العقيق حلاوة؟ أما عليه طلاوة؟ ألا يحلو في الأذن تكراره، ويلذ اللسان ترداده؟. . .
ألم يقرأ أحاديث العقيق، ويرو أشعار العقيق، من لم ير قط العقيق، فيهوى العقيق، ويحن إلى العقيق؟ فكيف يسيل العقيق ثم لا يخرج أهل المدينة إلى العقيق؟. . .