فقد انتهت المعركة بيني وبين نفسي. هي تريدني أن أقرّ، وأريدها تحيا ساعةً من نهار في جحيم المعركة؛ وهي تريدني أن أعيش في الحياة، وأريدها أن تسعد مع الموت.
هاهو ذا الظلم مستعلياً أبداً، كشأنه في كل عصر؛ لا أزعم أني سأمحقه، فقصارى الجهد أن أضع من جمجمتي حجراً في الزاوية.
هات لي عتادي.
فما قيمة العمر يمضي، وصليل القيد يصك سمعي، ورؤية الظلم تُعشي نواظري وما الحياة إن خلت من جمال الحق وعظمة الحرية، إلا جبُ منتن أكبرنا فيه حشرة.
هات لي عتادي.
فلو عرف الناس لذة الحياة لقدَّسوا الموت، ولو ذاقوا حلاوة الإيمان بالحق لدلفوا طُعمةً للنار. . . وما خير عيشٍ يرين عليه الظلم، وما لذةُ حياةٍ كل ما فيها متعة للظالمين؟
هات لي عتادي.
فلست أرهب موتاً يتساوى فيه الشقيُّ مع السعيد، والراسف بالقيد مع الذي قيَّده، فرب جفنٍ ما رقأت دموعه، ورب قلبٍ ما التأمت كلومه، وجد له في الموت وفي ظل القبر برد الراحة وهناوة العزاء.
هات لي عتادي.
وتعالي انظري عزة الحق الأعزل، واستخذاء الباطل المسلح. . . هاهما يتلاحمان. . . فلمن الغلبة؟ أللباطل فقديماً غَلَب، أم للحق فتلك ومضات في حلوكة التاريخ؟
منذ ساعة فتحَّ الحق عيني، وأنار الإيمان قلبي، فرأيت مواكب الأحياء على حقيقتها سائرة تتململ ولا تشكو، وتجرع الغصة ولا تئن، ورأيت الحقَّ فيما بينها مهيض الجناح، مشنوءا حامله، فعلمت أن من يعرف الحق ويؤمن به كل عمره، مهما طال - ساعةً من نهار.
منذ ساعة فتحَّ الحق عيني، فرأيت الإنسانية، ترجع إلى الوراء فعلمت أنه إن لم يصدها الإيمان، وتلتقي بها القوة المؤمنة، فغير بعيدٍ ذلك اليوم الذي تحتفل به لأكل لحم البشر!