وصل إلي خطاب مسجل بإمضاء سيدة طوت اسمها عني، وهي ترجو أن أكتب في مجلة الرسالة كلمة يعرف منها العراقيون أن الأستاذ محمد عبد العزيز مات
فمن هو الأستاذ محمد عبد العزيز؟
هو الأستاذ الذي عرفته مصر باسم عبد العزيز سعيد، وعرفه العراق باسم محمد عبد العزيز، فمن هذا الرجل؟ وما قيمته الحقيقية؟
هو معلم مصري أقام في العراق ثلاث سنين في بداية عهد الاستقلال، فترك في العراق آثاراً روحية يعرفها الأكابر من تلاميذه الذين يسيطرون على الحياة العلمية في العراق
كانت مزية هذا الرجل لأنه لا يتكلم ولا يخطب، ولا يعرف أحد أين يقيم، وبهذه العزلة وصل إلى الظفر بوفاء العراق، لأن العراقيين يحبون أهل الصمت، بسبب ما ابتلتهم به المقادير من كثرة الصياح
وهذا سر إخفاقه في مصر، لأن مصر بسبب هدوئها تصفق للصائحين
لاحت فرص كثيرة لاختبار مواهب الأستاذ عبد العزيز سعيد، فكان يخيب ظني في جميع الأحوال. وكانت النتيجة أن أقرر فيما بيني وبين نفسي أن بغداد قد انتهبت حيويته في تلك السنوات الثلاث
كان جهاد هذا الرجل في بغداد معرضاً للضياع، فشاء حبي لوطني أن أشيد باسمه وأن اهدي إليه كتاب (ملامح المجتمع العراقي)
وكان الرجل يعرف أنني أهديت إليه كتابي لوجه الحق، فكان يجن من نشوة الفرح يوم يلقاني، وكنت أشعر بنشوة مزلزلة حين أتذكر أنني أهديت كتابي إليه ولم أهده إلى أحد أصدقائي من الوزراء
مات محمد عبد العزيز العراقي، ومات عبد العزيز سعيد المصري، وبقيت لوعة لن تموت، وهي فقد صديق بوزارة المعارف
ما هذا الذي أقول؟
إن الأقدار التي امتحنتني بموت الأستاذ محمد أحمد جاد المولى تعرف أنه لم يبق لي