وها هو ذا العام الدراسي قد ابتدأ، بعد أن تحيفته عوامل وأسباب نستكره الخوض فيها، ونرجو أن تكون عوامل خير واستعداد وتهيؤ لا عوامل تخوف واستيحاش وإجفال.
بدا العام الدراسي بعد شهور خمسة قضتها الوزارة في فتح المدارس وتنظيم المصروفات، وإجراء التنقلات والترقيات، وغير هذا مما هو من نصيب المدرس أو الناظر أو المفتش أو المراقب، وكلهم - بحمد الله - يقظ، مفتح العين، مترقب عامل دءوب، متنسم لأخبار الترقيات والعلاوات، متخصص في تطبيق (الكادر) سباق إلى ذوي الخطوة المقربين ليقفز درجة أو ينال مرتبة.
وقد أبلت وزارة المعارف بلاءها السنوي، فنال من نال، وحرم من حرم، وبات الجميع بين مفطور القلب أسوان، ومفتر الثغر فرحان. فآما الذي نسيته الوزارة والقوامون على تصريف شئونها، وأغفلته شر إغفال، ولم يذكرها به مذكر، فذهب ضياعا وراح هدرا، فهو حق التلميذ. فللتلميذ الحق الأول لدى وزارة المعارف؛ وليس حقه هذا في مصروفات تزاد أو تنقص، ولا في غذاء يخفف أو يجود، فالخطب في المال يسير، وهو في الغذاء ايسر، وما كان أمر المال أو الطعام بالأمر الذي يدخل في اختصاص وزارتنا في الصميم، وإنما حقه في تيسير العلم، وترقية الطرق، وتغذية المواهب، وحل المشكلات، والتجانف عن التعقيد والالتواء. وإماطة الأشواك المربكة لعقله، والمعوقة لفهمه، وتنقية الكتب من الطفيليات العلمية التي تتعلق بالأصول المفيدة، فتحد من إفادتها وتقلل من قيمتها.
وما كانت وزارة المعارف - وحاشاها - أن تلتف إلى حق التلميذ هذا، وكيف تلتف وصاحب الحق قاصر، والقوام عليه مشتغل بشأنه عنه؟ وكيف تلتف، وهذه اللفتة لا تفيدها ضجيجاً ولا تلفت إليها الأنظار، ولا تخرجها إلى عالم لا يسمع إلا الفرقعة المدوية، والانفجار الهائل؟
وكيف تلتفت، وهذه اللفتة لا تفيدها ثناء ولا إطراء، ولا تجر إليها إعجابا ولا إكبارا؟ وهي بمنجاة من اللوم، فصاحب الحق خافت الصوت لا يعرف حقه ولا يدريه!