لا يجوز إغفال الصحافة عند التكلم عن الحياة الأدبية في بلد من البلاد العربية، فإلى الصحافة يرجع أكبر الفضل في نشر المذاهب والآراء، واليها يرجع الفضل كله في المرونة التي ظفرت بها الأساليب في هذه الأيام، لأن الكتاب لم يعودا يهتمون بالخواص، كما كانت الحال في العصور الخوالي، وإنما يوجه الكاتب كلامه إلى جماهير كثيرة فيه العالمون والجاهلون والأذكياء والأغبياء، وذلك يوجب أن يكون الوضوح هو الخصيصة الأولى من خصائص البيان.
والمحصول الأدبي في مصر وسائر البلاد العربية هو في أغلب أحواله مقالات وبحوث نشرت في الجرائد والمجلات، والحال كذلك في الأمم الأوربية والأمريكية، فجانب كبير جدا من الأدب الفرنسي لم يكن إلا صحائف مختارة من بين ما نشر في الجرائد والمجلات. وكان من تقاليد جريدة (الطان) أن تنشر كتباً جيدة تختار موادها من بين ما نشرت لأكابر الكتاب والباحثين. وكانت جريدة (المؤيد) في مصر صنعت مثل هذا الصنيع فنشرت ما كانت تسميه (منتخبات المؤيد) ولو فكرت الجرائد المصرية في إحياء هذه البدعة الطريفة لظهرت مجموعات علمية وأدبية وفنية تزيد محصولنا الفكري قوة إلى قوة، وتحفظ ما يعرض للنسيان من آثار الأذواق والقلوب والعقول.
وكانت دار الكتب المصرية شرعت في طبع فهارس لأهم ما ينشر في الجرائد والمجلات، وهي فهارس لا يلتفت إليها جمهور الباحثين، وأخشى أن تكون عطلت بعد غلاء الورق، فتلك الفهارس تؤدي خدمات عظيمة لمن يهمهم الرجوع إلى محصول الفكر والعقل في هذه البلاد، وتشهد بحرصنا على تقييد الأوابد من معالم الأدب والتاريخ.
ويدور الجدل من وقت إلى وقت حول المفاضلة بين المعاهد التي خدمت اللغة العربية كالأزهر ودار العلوم وكلية الآداب، وعند التأمل نرى أن هذه المعاهد لم تخدم إلا علوم