للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١ - على هامش الدفاع عن الشرق الأوسط]

للدكتور عمر حليق

يخيل إلى أن أكثرنا يميل إلى بحث المسائل الدولية بعقلية قانونية. وأصالة الرأي في معالجة السياسة الدولية تقتضي عدم التقيد بالنظرة القانونية في تحليل حاضر أو مستقبل مشكلة من المشاكل الدولية. فالقانون الدولي نظام فكري مرن مطاط يتحمل ألف تفسير وتفسير وألف مخرج ومخرج. والقانون الدولي فلسفة سياسية جوهرها الغموض وعمادها الدبلوماسية المرنة، وأبرز دعائمها اجتهاد لبق ذخيرته عناصر متشبعة من التحليل الدقيق للعوامل السياسية والاقتصادية والفكرية الطارئة، والتيارات الهادئة أو العاصفة التي تعتري حاضر قضية من قضايا الساعة، والأهواء والنزعات وخفايا الأمور التي تكتنف هذه التيارات وتوجهها إلى هدف معين. وكل هذه الحقائق على قسط كبير من التعقيد والتشابك يقصر جوهر القانون الدولي ودساتيره المدونة عن تنفيذه وشرحه وتطبيق حرفية ذلك القانون عليه.

ولذلك فإن من غير الصواب أن نعالج المسائل الدولية على ضوء القانون الدولي وحده، بل علينا أن نذهب أبعد من ذلك ونؤكد مع كثير من المراقبين للسياسة الدولية بأن الحصافة تقتضي أن وضع القانون في زاوية بعيدة من مائدة البحث، حتى إذا انتهينا من تحليل مسألة من المسائل الدولية على ضوء السياسة العملية والتيارات المعقدة المتشابكة (الاقتصادية والعسكرية والعاطفية والتاريخية) التي يكتنفها، جلبنا القانون الدولي (أو بالأحرى هذا التراث من النماذج والسوابق والشروع والتعليقات التي تؤلف ما يسمى القانون الدولي) وطلينا الصيغة النهائية لاجتهادنا في السياسة العملية بطلاء قانوني قشرته حساسة مطاطة تفسح المجال للكر والفكر وللتعديل والتنقيح.

ومثل هذه الحصافة توفر لصناع السياسة والمعقبين على السلوك السياسي مرونة يستطيعون معها أن يقبلوا على معالجة حدث من أحداث الساعة في عقل حذر واجتهاد فطن لا يضرم أن يرفض أو أن يساوم على منفعة عاجلة في سبيل نصر مرتقب، أو أن يقبل ما يبدو أنه قبول نهائي، بينما هو يضمر هدفا همه المصلحة الجوهرية الآجلة للمسؤولية التي يتولاها صناع السياسة بالنيابة عن الأمة التي انتدبوا لتسيير شؤونها وخدمة مصالحها

<<  <  ج:
ص:  >  >>