وقد يقرأ بعضنا في ثنايا هذه السطور دعوة إلى الخداع وضرب من الغش ولكن الخديعة والغش أن تكتم عن الناس الحقائق. والحقائق في السلوك السياسي تؤكد أن جوهر هذا السلوك صراع حاد قد يكون طابعه الصدق مرة والمراوغة مرة أخرى، واللباقة آناً والتهديد آونة أخرى، ومثل هذا الصراع يفترض الخديعة والغش فإذا اعتصم فريق بالصدق وحسن النية والمثالية المجردة وهو عالم بان الفريق الآخر يتسلح بغير الصدق والمثالية والنية الصادقة فالفريق الأول يخدع نفسه ويضر بالأمانة القومية التي وكلته الأمة بالدفاع عنها وبصيانتها عن عبث العابثين.
والدبلوماسية (وهي تعريف لهذا الاجتهاد الذي يحاول به صناع السياسة أن يصونوا الأمانة القومية التي وكلهم الشعب بها) جزء لا يتجزأ من سياسة السلم والحرب. والحد بين السلم والحرب خطر نظري لا وجود له إلا في مخيلة الناس. وقد قال حكماء العرب الأقدمون (الحرب خدعة) فإذا فسرنا هذه الحكمة تفسيرا صحيحا فإن لنا أن نعتبر أن (السياسة خدعة) كذلك، والعبرة في الحكم والأمثال أن تتجاوز المتعة العقلية وأن تطبق على جوهر السلوك الإنساني.
وبعد فإن موضوع البحث هو مسالة (الدفاع عن الشرق الأوسط) وهي مسالة لها وضعية فريدة فوق إنها قضية خطيرة - فريدة لأنها تمس صميم الأمانة القومية التي يهتم بها كل مواطن عربي ويحمل لواء الدفاع عنها قادة الرأي وأولو الأمر من صناع السياسة في بلدان العرب. وعلى ذلك فإن الحديث عن مسالة الدفاع عن الشرق الأوسط هو الحديث أبرز ما يعترض حاضر السياسة العربية من أحداث لا تقتصر على الأوضاع الداخلية للدول العربية فحسب، بل تتصل اتصالا مباشراً بمستقبل الكيان العربي بأسره كمجموعة إقليمية وكدول منفردة، كما تمس مستقبل هذا الثعلب اليهودي الذي يكمن في عقر دارنا ومستقبل العلاقات التي تربط دول الجامعة العربية بالعالم الخارجي - في الشرق والغرب.
والحديث عن الدفاع عن الشرق الأوسط يختلف باختلاف الجهة التي يصدر عنها الحديث، فالعرب تنظر إليه نظرة خاصة، وتركيا تنظر إليه نظرة أخرى، وللبرطانين فيه اجتهاد منفرد، وللأمريكان رأي خاص، وللفرنسيين كذلك تفسير معين، وموقف إسرائيل منه