كتاب يعرض الجهود العبقرية التي بذلها أجدادنا الأولون حتى أهدوا إلينا هذا العالم الذي تمرح به جنباته اليوم، لا يقف في سبيلنا وعر أو موج أو ريح. ولا شك أن المترجمين قد أحسنا الاختيار حين وقفا إلى هذا الكتاب. وهما بعد ذلك قد ترجماه في لغة سهلة ميسورة عربية صريحة لا ضعف فيها ولا كلفة. وقد كانا بارعين في هاته الترجمة إلى درجة تحس معها أنهما إنما يؤلفان لا يترجمان. وإن في الكتاب مقياساً عادلاً لحبكة الترجمة فقد لاحظ الأستاذ عثمان نويه أحد المترجمين وكاتب المقدمة، لاحظ أن الكتاب الإنجليزي لم يلتفت إلى الحضارة الإسلامية وما طلعت به على العالم من تقدم. نعقد لها فصلاً لو لم يعترف الأستاذ عثمان في مقدمته أنه هو الذي أضافه، لاعتبره القارئ من أحسن فصول الكتاب جميعاً. فإن فيه إجمالاً تاريخياً كاملاً، وعرضا لما دعمته الحضارة الإسلامية من أسس في حضارة العالم. كل ذلك في صفحات قلائل، تطالعك فيها المعلومات في حشد هائل، يقفو بعضه بعضا وهي مع ذلك مبسوطة في يسر، تغريك بنفسها فتكاد لا تحس بما ينسرب إلى ذهنك من حقائق كانت جافة، جرى عليها قلم نويه، فكسب فيها الماء ينديها ويرسلها إلى ذهنك في لطف القصة الشائقة.
والكتاب كله يترقرق بهذه المائية في عرضه. فأنت مرتاح لما تقرأ دائماً، مقبل عليه لذة. وتمتاز مؤلفة الكتاب بخاصية عجيبة، تدرك بها أين يمل القارئ، فهي منتقلة به إلى الجديد، فتجدد عنده حب المتابعة. وهكذا تظل به واثبة من عصر إلى عصر، ومن تقدم إلى تقدم.
وإنك لتلمح في الكتاب ظلاً واسعاً لفنانة مخلصة، تتتبع نشأة الفن تتبعاً دقيقاً، فتراها تلقى ضوءاً باهراً على أثر الفن في حياة الأجداد، ثم الأبناء فالأحفاد. كما تبين المصادر الأولى