للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

٢ الشعر الجديد

لم يذهب عني، إذ كتبت مقالي السابق، أن التجدد من سنن الكون

النافذة، وأنه من طبائعه الدائبة، وأنه سار في كل شئ، حتى المعاني

التي في النفوس، والفكر التي في العقول، بل هو قوام الحياة وسر

البقاء

لقد رأينا الشعر العربي يتجدد منذ القدم ويتطور، ويتغير ويتحول، ويساير مختلف البيئات، ويتابع متعاقب العصور

فهل عبر الأعراب الأولون عن أغراضهم وميولهم كما كان يعبر سلائلهم من بعدهم؟ وهل تصرف شعراؤهم الأقدمون في فنون القول كما كان يتصرف محدثوهم؟

ألا ترى إلى الشعر قبيل الإسلام كيف صفت ديباجته، وندر فيه الحوشى من اللفظ، والمتعقد من التركيب، والنافر من المعنى؟

إن العرب إذ ذاك كانوا قد خالطوا من جاورهم من الأمم المتمدينة، بالتجارة والرحلة؛ فاستعاروا منهم كثيراً من الألفاظ والمعاني، فتطعم لسانهم شيئاً جديداً، وتذوق فنوناً طريفة، امتزجت كلها، فخرجت ألواناً عذبة، وطعوماً سائغة

ثم كان الإسلام، فقلب أوضاع الحياة العربية، وكانت متهيئة لهذا الانقلاب، كما هو شأن الحوادث الجسام في التاريخ لا تولد فجاءة؛ وإنما تعمل أسبابها في الخفاء، فتمهد للفورة.

وكان القرآن الكريم، فاجتمع هذان العاملان على أن يجددا تجديداً لم يعهد من قبل - في لغة الحديث وفي الخطابة وفي الشعر

وكلنا يعرف ماذا كانت أغراض الشعر الجاهلي؛ وكلنا يعرف أيضاً كيف عاد كثير منه في صدر الإسلام أسلحة سياسية ذات مضاء

وكذلك كانت حال الشعر - أو أبرز أحواله - في الدولة الأموية أو في معظمها

ثم تعاقبت العصور بعد ذلك وتتابعت الأحداث في البلاد الخاضعة للإسلام. وكان الشعر في خلال تلك الحقب يزدهر تارة ويذبل تارة. وربما أشرق في ناحية وخبا في أخرى في وقت

<<  <  ج:
ص:  >  >>