بين يدي الآن الديوان الخامس من شعر الأستاذ الزهاوي الذي فاضت به قريحته الخصبة في الأيام القريبة، والذي شاء له تواضعه أن يسميه (الأوشال) بينما تزخر صفحاته التي تربو على الثلاثمائة صفحة بالقصائد الغر في شتى الموضوعات ومختلف الفنون.
قلب صفحات هذا الديوان يتولك الدهش من ذلك النشاط الذهني العجيب، إذ ينتقل بك الزهاوي من العراق إلى مصر، ومن مصر إلى سوريا، تارة صادحًا وتارة نائحًا، وطوراً حافزاً إلى المجد قومه، أو ناعياً عليهم تقاعدهم، وأحياناً تراه يرسم لهم سبل النجاح، ويدلهم على ما يرقي بهم إلى العلى، هذا ولا تنسى نزعته الفلسفية وصفاء ذهنه إذا اتجه في شعره إلى وصف الحياة وآلامها وما وراء الحياة من عالم الغيب، والنفس البشرية وما ركب في طباعها من ميول، والمجتمع الإنساني وما يجول فيه من نزعات أو يختلج من مشاعر. وانك لتجد الزهاوي إلى جانب ذلك يضع الأناشيد ويحكم صوغها، ثم تراه يعتمد إلى الوصف فيأتي به متنوعاً يوائم تقدم العصر ويسايره مستحدثاً، فهو يصف لك كمنجة الشوا، وألحان عبد الوهاب، وترانيم أم كلثوم، ويصف لك جمال الطبيعة في العراق أرضه وسمائه. أما مرايته فيتدفق فيها الشعر تدفقاً مدهشاً، فهو لا يكتفي مثلاً إلا بقصيدتين في رثاء شوقي، ثم هو يرثي أديسون ويتفجع على العلم من بعده، بله أعلام الشرق حديثهم وقديمهم. وجملة القول أن الزهاوي على الرغم من شيخوخته فياض المعاني، تواتيه قريحته في سهولة ويسر بكل ما يختلج في نفسه أو يجول في رأسه، فهو بحق فتى الشيوخ، وما أظنك لو طلعت على ديوانه غفلاً من أسمه كنت تصدق أنه ديوان شاعر اجتاز مرحلة الشباب.
أما عن شعره، فيكفي أن نقول هنا لضيق المجال، إن آثار الزهاوي قد أصبحت في ذاتها ناحية هامة من نواحي الحركة الفكرية العصرية، وسوف يكون لها فصل مستقل في تاريخ الأدب المعاصر، وما أظنني أستطيع أن أوفى شعر هذا الديوان ما هو جدير به من الدرس والتحليل في عجلة كهذه، ولعلي أعود تلك الدراسة في فرصة قريبة، مكتفياً الآن بتقديم