(مع سلام الله ورحمته وبركاته إلى فضيلة الأستاذ عبد الفتاح
خليفة، مفتش الخط المتصوف بوزارة المعارف العمومية)
للأستاذ عزيز أحمد فهمي
الذين يسمعون الغناء في هذه الأيام معذورون إذا كانوا لا يعرفون ما هي السلطنة، وهم معذورون أيضاً إذا سخروا من ذكرها وحسبوها رقاعة قديمة كان المغنون القدماء يصطنعونها تهريجاً منهم وتحلية لبضاعتهم، وكان الجمهور القديم يحتملها صبراً منه، وتضييعاً لوقته الطويل الرخيص الذي لم يكن ينتفع منه بشيء. . . وهم معذورون في هذا وذاك لأن السلطنة قد انعدمت من عند المغنين في هذه الأيام أو كادت تنعدم. والجمهور اليوم يسمع عنها - إن كان يسمع عنها - فلا يتصورها إلا نوعاً من أنواع التحكم الثقيل الممقوت يفرضه المغني فرضاً على جمهوره تهياً منه ودلالاً واستكباراً، فقد قيل لهذا الجيل إن المغني القديم كان لا يرد إلى المكان الذي سيغني فيه إلا بعد أن تمضي من الليل ساعات. . .
وإنه بعد هذا كان يطلب خمراً أو شيئاً آخر غير الخمر يقلب به دماغه ويغيب به عن وجوده، وإنه بعد ذلك كان يرجو أن إنساناً حلواً يقرب منه ليشاهده وهو يغني، وهو فوق هذا وذاك كان يصر على أن يصحب معه نفراً من الناس لا هم عازفون ولا هم مغنون وإنما هم مستمعون فقط يحبهم ويؤثرهم ويجرهم وراءه من حفلة إلى حفلة، ويجرون هم وراءه من فرح إلى فرح، والواحد منهم يعدل عنده ألفاً من وجهاء الناس الذين يدعون إلى سماعه والذين يجاملونه بالتطيب الرقيق والتشجيع الناعم. . .
وإنه بعد هذا كله لم يكن حضرته يغني إلا إذا تسلطن، وهو لا يتسلطن إلا بعد أن يقضي أفراد تخته زمناً طويلاً في تصليح آلاتهم، وبعد أن يعزفوا بشرفاً، وبعد أن يغنوا توشيحاً،