يستطيع الذين درسوا الآداب التاريخية الغربية، وقرأوا تواريخ الأمم الغربية في تلك الموسوعات والآثار الجليلة التي تمتاز بطابعها العلمي الدقيق، أن يقولوا بحق تاريخ الإسلام والأمم الإسلامية لم يكتب حتى عصرنا
إن الآداب العربية تزخر بالموسوعات والآثار التاريخية في كل عصر، وكل قطر؛ ومنها بلا ريب آثار كثيرة تمتاز بدقتها ونفاستها؛ ولكن هذه الآثار تقف أولاً منذ عصر بعيد، فلا تكاد تجد في العربية موسوعة أو مؤلفاً تاريخياً جليلاً منذ القرن العاشر الهجري، وهي من جهة أخرى لا يمكن أن تعتبر أكثر من مادة لتغذية المؤرخ الحديث بما يحتاج إليه من التفاصيل والوثائق، ومن الأنصاف أن نقول إن هذه المادة تمتاز بغزارتها في عصور كثيرة، ولكن من الأسف أن أغلبها ما زال يحتجب عن أعيننا في أروقة المكاتب والمجموعات الخاصة، فلا يصل إليها الباحث إلا بعد الجهد المضني
وهذه مسألة تستحق الاهتمام من كل أولئك الذين يتصلون بالمباحث الإسلامية والتاريخية، وأولئك الذين يشرفون على توجيه الثقافة القومية، وفي مقدمتهم وزارة المعارف العمومية والجامعة المصرية. فإلى الآن لم يكتب تاريخ مصر الإسلامية، ولا مصر الحديثة بما يجب من دقة وإفاضة، وإلى الآن لم تعرف مصادر التاريخ المصري معرفة حسنة حتى من كثير من أولئك الذين يعنون بكتابته أو بتدريسه؛ وإنه لما يبعث إلى الدهشة كما يبعث إلى الأسف أن نجد الكتب الدراسية التي يعتمد عليها الشباب في دراسة التاريخ المصري أو الإسلامي بوجه عام، خلاصة مشوهة اشتق معظمها من المؤلفات الأجنبية، وهي لذلك تفيض بالأخطاء والمثالب، وينقصها روح الأنصاف والتمحيص؛ هذا بينما تلقى الكتب التي تعنى بتواريخ الأمم الأجنبية عناية أوفر لأنها تعتمد في مادتها على المصادر القومية المنظمة، ويجد فيها الشباب من التبسط والتمحيص ما لا يجده في كتب التاريخ المصري أو الإسلامي
إن دار الكتب المصرية تزخر بمئات وألوف من مصادر التاريخ الإسلامي وتاريخ مصر