قال الدكتور زكي مبارك في حديثه عن الفقر والغنى، ولا نهاية لحديث الفقر والغنى، ولا الفقر والغنى ينتهيان من الدنيا:
(. . . لن أقول كلمة في الوارثين بحجة أنهم يرزقون بلا كد ولا اجتهاد، فلو عطل نظام الميراث لإنعدم النشاط الإنساني بعض الانعدام، ولآثر الناس جميعاً أن تكون جهودهم مقصورة على كسب القوت من يوم إلى يوم. ولو قلنا الحق كل الحق لصرحنا بأن الميراث هو أجمل نظام عرفته الإنسانية، فهو الشاهد على أن الجهاد في طلب الرزق لا يضيع، وأنه قد يصل إلى الأعقاب وأعقاب الأعقاب، وذلك أقوى حافز لتأريث عزائم الرجال)
ورأيي في الميراث أنه حق وعدل، وأن المذاهب الاجتماعية، التي تحرمه تجور على الآباء والأبناء، ولا تتحرى سنن الطبيعة فيما جرت عليه بين جميع الأحياء، لأن المجتمع لا يستطيع أن يحول بين الأب وبين توريث أبنائه ما اشتمل عليه من عيوب الخلق والفكر ومن دمامة الوجه وشوه الجسم وضعف التركيب؛ فليس من العدل أن يحول بينه وبين توريثهم الخير أو نصيباً من الخير، وإن كان عدلاً أن تفرض للمجتمع حصة وافية من ذلك النصيب
كذلك تجري الطبيعة على سنة الوراثة في جميع السلالات، وهي سنة أعرق من المجتمعات الإنسانية وغير الإنسانية، ولم تنشأ عبثاً ليلغيها الإنسان كل الإلغاء بقانون أو نظام
لكنني أخالف الدكتور في قوله إن الميراث لو عطل (لآثر الناس جميعاً أن تكون مقصورة على كسب القوت من يوم إلى يوم. . .)
فإن طلب المال كطلب العلم فطرة لا تتوقف على التوريث ولا على ما يعقبه الآباء للأبناء، وقد يهمل الإنسان رزقه ورزق أبنائه ليتابع الدرس ويتقصى مسألة من مسائل العلم والمعرفة، وهو على يقين أنه لن يخلف لأبنائه زاداً من علومه ودروسه إلا ما يخلف المعلمون للمتعلمين، وقد يفوتهم منه حتى هذا النصيب
وبين طلاب المال من بلغ أرذل العمر وليس له عقب ولا هو ممن يبسطون الكف بالإنفاق