للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حاجة المدنية إلى دين]

للدكتور محمد البهي

للجماعة الإنسانية مهمة، ولها هدف أخير: مهمتها تنظيم رغبات الأفراد، والعمل على تطبيق دائرة التصادم - إن لم يكن منعه - بين هذه الرغبات، بعضها ضد بعض؛ وغايتها من وراء ذلك حياة الوئام والوفاق، أو حياة (السلام) أو سيادة (الخير) على نوازع الشر

هذا هو الشأن في كل جماعة إنسانية، حتى في الفطرية منها. فزعيم الجماعة البُدائية يدعي - حتى في اللحظة التي تغالب أنانيته على تصرفاته - أنه يعمل للخير والسلام، وأنه يسعى للتوفيق بين أفراد رعيته في رغباتهم ومآربهم

وقانون الجماعة المهذبة يضع - ما أمكن - نصب عينيه (صالح) الجماعة أو (العدالة) أو (المساواة)، ويحاول أن يبرز هذا الهدف في كل ناحية من نواحيه محافظة على السلام وحباً في خير الجماعة

ولا تتميز الجماعة الفطرية عن الجماعة المهذبة إلا بأن البواعث (الشخصية) أو الأنانية هي التي تتحكم غالباً في تحديد الخير والسلام، وفي توجيه الأفراد نحو الخير والسلام؛ بينما يحتكم قانون الجماعة المهذبة إلى عوامل مجردة - بقدر الإمكان - عن المعاني الشخصية في نظرته إلى (الصالح العام) أو (المساواة) وهذا بعينه هو الفرق بين الطفل والرشيد في الإنسان

وخير الجماعة الإنسانية في الواقع هو في الحيولة دون قيام النزاع والخصومة بين أفرادها بسبب اختلافهم رغباتهم. إذ من شأن اختلاف الرغبات حدوث التصادم بينها عند محاولة تلبيتها

وهذه الحيلولة تتم سواء أكانت بالدعوة إلى كبت الرغبات، وإلى الإقناع بالتنازل عنها أو عن كثير منها بدعوى أن ليست لها قيمة ذاتية كما تصوره لنا دعوة (الزهد) في متع هذه الحياة، أم كانت بتوزيع نفس هذه المتع - بناء عن اعتبارها وتقديرها - بين أفراد الجماعة لكل منها نصيب حسب كفايته التي تختلف حسب اختلاف مقاييسها عند الجماعات المتعددة، كما تنصح بذلك (النظرات) الجديدة في الحياة

والوسيلة الأولى وهي دعوة الزهد، أو دعوة القصد في متع هذه الحياة كانت طريق العقائد

<<  <  ج:
ص:  >  >>