قلنا في مقالنا السابق إن الأقدمين من المفسرين قد فهموا من الأسطورة أنها ما سطره الأولون من قصصهم وأحاديثهم ونقلنا عن كتبهم من النصوص ما يثبت ذلك. ولعلنا لم ننس بعد ما ذهب إليه الطبري في آخر عبارته من القول بان المشركين ما كانوا يقصدون من وراء كل هذا إلا القول بان هذه الأساطير من عند محمد لم يجئه بها الوحي ولم تنزل عليه من السماء.
وقلنا في نفس المقال أن الرازي قد فطن إلى الصنيع الأدبي في بعض القصص القرآني حين فرق بين جسم القصة وما فيها من توجيهات دينية هي قصد القرآن من قصصه. ولعلنا لم ننس بعد ما ذهب إليه الرازي من أن الأمر الأول هو الذي ادخل الشبهة على عقول المشركين وعلى قلوبهم وانهم من اجل هذا قالوا بان ما يجئ به محمد ليس إلا أساطير الأولين. ومعنى ذلك أيضا انهم ينكرون أن يكون قد جاء بها الوحي أو نزلت عليه من السماء.
واليوم نريد أن ندرس مع القراء موقف القرآن نفسه من هذه الأساطير.
وموقف القرآن يتلخص في الإجابة عن هذا السؤال. هل نفى القرآن عن نفسه بناءه بعض القصص على الأساطير؟.
هذه هي الآيات التي تعرضت لهذه المسالة من القران الكريم:
(١) قال الله تعالى (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونه يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين) أنعام ٢٥.
(٢) وقال تعالى (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم) الأنفال ٣١، ٣٢.
(٣) وقال تعالى (وإذا قيل لهم ماذا انزل ربكم قالوا أساطير الأولين) النحل ٢٤
(٤) وقال (بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون لقد